ومنهم من قال بل الحروف قديمة الأعيان بخلاف الأصوات، وكل هؤلاء يقولون أن التكليم والنداء ليس إلا مجرد خلق إدراك في المخلوق بحيث يسمع ما لم يزل ولا يزال لا أنه يكون هناك كلام يتكلم الله به بمشيئته وقدرته ولا تكليم بكلام الله بمشيئته وقدرته، بل تكليمه عندهم جعل العبد سامعاً لما كان موجوداً قبل سمعه بمنزلة ما يجعل الأعمى بصيراً لما كان موجوداً قبل رؤيته من غير إحداث شيء منفصل عنه، وعندهم لما جاء موسى لميقات ربه سمع النداء القديم، لا إنه حينئذ نودي، ولهذا يقولون إنه يسمع كلامه لخلقه بدل قول الناس يكلم خلقه، وهؤلاء يردون على الخلقية الذين يقولون القرآن مخلوق ويقولون عن أنفسهم أنهم أهل السنة الموافقون للسلف الذين قالوا القرآن كلام الله غير مخلوق وليس قولهم قول السلف لكن قولهم أقرب إلى قول السلف من وجه.
أما كون قولهم أقرب فأنهم يثبتون كلاماً قائماً بنفس الله وهذا قول السلف بخلاف الخليقة الذين يقولون ليس كلامه إلا ما خلقه في غيره، فإن قول هؤلاء مخالف لقول السلف، وأما كون الخلقية أقرب فلأنهم يقولون أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وهذا قول السلف، وهؤلاء عندهم لا يقدر الله على شيء من كلامه فليس كلامه بمشيئته واختياره بل كلامه عندهم كحياته، وهم يقولون الكلام عندنا صفة ذات لا صفة فعل، والخلقية يقولون صفة فعل لا صفة ذات، ومذهب السلف أنه صفة فعل وصفة ذات معاً، فكل منهما موافق للسلف من وجه دون وجه.
واختلافهم في أفعاله ومسائل القدر بنسبة اختلافهم في كلامه تعالى فإن المعتزلة أنه يفعل لحكمة مقصودة وإرادة الإحسان إلى العباد، لكن لا يثبتون لفعله حكمة تعود إليه، وأولئك يقولون لا يفعل لحكمة ولا لمقصود أصلاً فأولئك أثبتوا حكمة لكن لا تقوم به، وهؤلاء لا يثبتون له قصداً يتصف به