للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما على قول من جعل الأزل علة غائية للحركة فظاهر، فإنه لا يلزم من ذلك أن يكون هو فاعلاً لها، فقولهم في حركات الأفلاك نظير قول القدرية في حركة الحيوان، وكل من الطائفتين قد تناقض قولهم، فإن هؤلاء يقولون بأن فعل الحيوان صادر عن غيره لكون القدرة والداعي يستلزمان وجود الفعل، والقدرة والداعي كلاهما من غير العبد، فيقال لهم تقولون هكذا في حركة الفلك بقدرته وداعيه أنه يجب أن يكونا صادرين عن غيره، وحينئذ فيكون الواجب بنفسه هو المحدث لتلك الحوادث شيئاً بعد شيء، وإن كان ذلك بواسطة العقول، وهذا القول الذي يقوله ابن سينا وأتباعه باطل أيضاً لأن الموجب بذاته القديم الذي يقارنه موجبه ومقتضاه يمتنع أن يصدر عنه حادث بواسطة أو بلا واسطة، فإن صدور الحوادث عن العلة التامة الأزلية ممتنع بذاته، وإذا قالوا بحركة توسطه قيل لهم إنما هو في حدوث الحركة، فإن الحركة الحادثة شيئاً بعد شيء يمتنع أن يكون المقتضي لها علة تامة أزلية مستلزمة لمعلولها، فإن ذلك جمع بين النقيضين، إذا القول بمقارنة المعلول لعلته في الأزل ووجوده معها يناقض أن يتخلف المعلول أو شيء من المعلول عن الأزل، فصار حقيقة قولهم أن الحوادث العلوية والسفلية لا يحدث بها. وهؤلاء يقولون كلام الله ما يفيض على النفوس الصافية كما أن ملائكة الله عندهم ما يتشكل فيها من الصور النورانية، فلا يثبتون له كلاماً خارجاً عما في نفوس البشر، ولا ملائكة خارجة عما في نفوسهم غير العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة، مع أن أكثرهم يقولون أنها أعراض.

وقد تبين في غير هذا الموضع أن ما يثبتونه من المجردات العقلية الحوادث (١) التي هي العقول والنفوس والمواد والصور إنما وجودها في الأذهان لا في الأعيان.

وأما الصنف الثالث الذين فرقوا بين الواجب والممكن والخالق والمخلوق والغني الذي لا يفتقر إلى غيره، والفقير الذي لا قوام له إلا بالغير، فقالوا: كل ما قارن


(١) لعله للحوادث فليتأمل

<<  <  ج: ص:  >  >>