للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلماً وقدرة في جسم كان ذلك الجسم هو المتحرك العالم القادر بتلك الصفات ولم تكن تلك صفات الله بل مخلوقات له، ولو كان متصفاً بمخلوقاته المنفصلة عنه لكان إذا أنطق الجامدات - كما قال " يا جبال أوبي معه والطير " وكما قال: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " وكما قال: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " ومثل تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم أو تسبيح الحصى بيده، وتسبيح الطعام وهم يأكلونه، فإذا كان كلام الله لا يكون إلا ما خلقه في غيره وجب أن يكون هذا كله كلام الله فإنه خلقه في غيره، وإذا تكلمت الأيدي فينبغي أن يكون ذاك كلام الله كما يقولون أنه خلق كلاماً في الشجرة كلم الله به موسى بن عمران.

وأيضاً فإذا كان الدليل قد قام على أن الله تعالى خالق أفعال العباد وأقوالهم وهو المنطق لكل ناطق وجب أن يكون كل كلام في الوجود كلامه، وهذا ما قالته الحلولية (١) ، من الجهمية كصاحب الفصوص ابن عربي قال:

وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه

وحينئذ فيكون قول فرعون " أنا ربكم الأعلى " كلام الله كما أن الكلام المخلوق في الشجرة: " إنني أنا الله لا إله إلا أنا " كلام الله.

وأيضاً فالرسل الذين خاطبوا الناس وأخبروهم أن الله قال ونادى وناجى ويقول، لم يفهموهم أن هذه المخلوقات منفصلة عنه بل الذي أفهموهم إياه أن الله نفسه الذي تكلم، والكلام قائم به لا بغيره، ولهذا عاب الله من يعبد إلهاً لا يتكلم فقال


(١) لعله سقط من هنا لفظ الاتحادية الذي يطلقه عليهم دائما في كتبه فابن عربي وابن الفارض وأمثالهم يقولون باتحاد الخالق بالخلق وأن هذا عين هذا إلا أنه غيره وحال فيه وأنه ماثم غيره وهذا مفصل في رده عليهم من هذا المجموع

<<  <  ج: ص:  >  >>