: " أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً " وقال: " ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً " ولا يحمد شيء بأنه متكلم ويذم بأنه غير متكلم إلا إذا كان الكلام قائماً به، وبالجملة لا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم إلا من يقوم به القول والكلام، كما لا يعقل حي إلا من تقوم به الحياة، ولا عالم إلا من يقوم به العلم، ولا متحرك إلا من تقوم به الحركة ولا فاعل إلا من يقوم به الفعل، فمن قال: أن المتكلم هو الذي يكون كلامه منفصلاً عنه. قال ما لا يعقل، ولم يفهم الرسل الناس هذا، بل كل من سمع ما بلغته الرسل عن الله يعلم بالضرورة أن الرسل لم ترد بكلام الله ما هو منفصل بل ما هو متصف به.
قالوا: المتكلم من فعل الكلام والله تعالى لما أحدث الكلام في غيره صار متكلماً فيقال لهم: للمتأخرين المختلفين هنا ثلاثة أقوال: قيل المتكلم من فعل الكلام ولو كان منفصلاً عنه، وهذا إنما قاله هؤلاء.
وقيل المتكلم من قام به الكلام ولو لم يكن بفعله ولا هو بمشيئته ولا قدرته، وهذا قول الكلابية والسالمية ومن وافقهم.
وقيل المتكلم من تكلم بفعله ومشيئته وقدرته فقام به الكلام، وهذا قول أكثر أهل الحديث وطوائف من الشيعة والمرجئة والكرامية وغيرهم، فأولئك يقولون هو صفة فعل منفصل عن الموصوف لا صفة ذات، والصنف الثاني يقولون: صفة ذات لازمة للموصوف لا تتعلق بمشيئته ولا قدرته، والآخرون يقولون هو صفة ذات وصفة فعل، وهو قائم به يتعلق بمشيئته وقدرته.
إذا كان كذلك فقولكم أنه صفة فعل ينازعكم فيه طائفة، وإذا لم ينازعوا في هذا فيقال: هب أنه صفة فعل منفصل عن القائل الفاعل أو قائم به؟ أما الأول فهو قولكم الفاسد، وكيف تكون الصفة غير قائمة بالموصوف، أو القول غير قائم بالقائل؟ فإن قلتم: هذا بناء على أن فعل الله لا يقوم به لأنه لو قام به لقامت به