للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، فإن فرعون كذب وموسى فيما أخبر به: من أن ربه هو الأعلى، وأنه كلمه كما قال تعالى " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السموات فأطلع على إله موسى وإني لأظنه كاذباً " وهو قد كذب موسى في أن الله كلمه، ولكن هؤلاء يقولون إذا خلق كلاماً في غيره صار هو المتكلم به وذلك باطل وضلال من وجوه كثيرة: أحدها أن الله سبحانه أنطق الأشياء كلها نطقاً معتاداً ونطقاً خارجاً عن المعتاد، قال تعالى " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " وقال تعالى: " حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ".

وقال تعالى: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ".

وقد قال تعالى: " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق " وقد ثبت أن الحصى كان يسبح في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأن الحجر كان يسلم عليه، وأمثال ذلك من إنطاق الجمادات، فلو كان إذا خلق كلاماً في غيره كان هو المتكلم به كان هذا كله كلام الله تعالى، ويكون قد كلم من سمع هذا الكلام كما كلم موسى بن عمران، بل قد ثبت أن الله خالق أفعال العباد، فكل ناطق فالله خالق نطقه وكلامه فلو كان متكلماً بما خلقه من الكلام لكان كل كلام في الوجود كلامه حتى كلام إبليس والكفار وغيرهم، وهذا تقوله غلاة الجهمية كابن عربي وأمثاله (١) يقولون:


(١) يكثر شيخ الإسلام في هذا البحث من هذا الجمع أو التنظير بين الجهمية وابن عربي وأمثاله من القائلين بوحدة الوجود ولا يذكر فيه الفرق بينهما وهو أن الجهمية ينكرون صفات الخالق هربا من تشبيهه بخلقه فجعلوه كالعدم، والاتحادية زعموا أنه لا موجود غيره فهو الخالق والمخلوق عينا وصفة، ومن ثم كان كل كلام في الوجود كلامه إذ لا وجود كغيره، وشيخ الإسلام قد فصل مذهبهم هذا وبين بطلانه في رسالة أخرى من هذا المجموع

<<  <  ج: ص:  >  >>