للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبر أنه منزل منه، وأخبر بتنزيل مطلق في مثل قوله: " وأنزلنا الحديد " لأن الحديد ينزل من رؤوس الجبال لا ينزل من السماء، وكذلك الحيوان فإن الذكر ينزل الماء في الإناث، فلم يقل فيه من السماء، ولو كان جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ لكان اليهود أكرم على الله من أمة محمد، لأنه قد ثبت بالنقل الصحيح أن الله كتب لموسى التوراة وأنزلها مكتوبة (١) فيكون بنو إسرائيل قد أقروا الألواح التي كتبها الله، وأما المسلمون فأخذوه عن محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد أخذه عن جبريل وجبريل عن اللوح، فيكون بنو إسرائيل بمنزلة جبريل، وتكون منزلة بني إسرائيل أرفع من منزلة محمد صلى الله عليه وسلم على قول هؤلاء الجهمية، والله سبحانه جعل من فضائل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه أنزل عليهم كتاباً لا يغسله الماء وإنه أنزله عليهم تلاوة لا كتابة، وفرقه عليهم لأجل ذلك، فقال: " وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً " وقال تعالى: " وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ".

ثم إن كان جبريل لم يسمعه من الله وإنما وجده مكتوباً كانت العبارة عبارة جبريل وكان القرآن كلام جبريل ترجم به عن الله كما يترجم عن الأخرس الذي كتب كلاماً ولم يقدر أن يتكلم به وهذا خلاف دين المسلمين.

وإن احتج محتج بقوله " إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند العرش مكين " قيل له فقد قال في الآية الأخرى " إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون " فالرسول في هذه الآية محمد صلى الله عليه وسلم والرسول في الأخرى جبريل، فلو أريد به أن الرسول أحدث عبارته لتناقض


(١) المراد بالتوراة هنا أصول الشريعة وهي الوصايا التي في الالواح لا كل أحكام الشريعة من عبادات واحتفالات وعقوبات وغيرها فان هذه شرعت بالتدريج وهذا مجمع عليه عند اليهود

<<  <  ج: ص:  >  >>