الخبران، فعلم أنه أضافه إليه إضافة تبليغ لا إضافة إحداث ولهذا قال " لقول رسول " ولم يقل ملك ولا نبي، ولا ريب أن الرسول بلغه كما قال " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض على الناس في الموسم ويقول: " ألا رجل يحملني إلى قومه لا بلغ كلام ربي، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " ولما أنزل الله " الم غلبت الروم " خرج أبو بكر الصديق فقرأها على الناس فقالوا: هذا كلامك أم كلام صاحبك؟ فقال: ليس بكلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله.
وإن احتج بقوله " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " قيل له هذه الآية حجة عليك، فإنه لما قال " ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث " علم أن الذكر منه محدث ومنه ما ليس بمحدث، لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال ما يأتيني من رجل مسلم إلا أكرمته، وما آكل إلا طعاماً حلالاً ونحو ذلك، ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي ولكنه الذي أنزل جديداً، فإن الله كان ينزل القرآن شيئاً بعد شيء، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخراً، وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كما قال " كالعرجون القديم " وقال " تالله إنك لفي ضلالك القديم " وقال " وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم " وقال " أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون " وكذلك قوله " جعلناه قرآناً عربياً " لم يقل جعلناه فقط حتى يظن أنه بمعنى خلقناه ولكن قال " جعلناه قرآناً عربياً " أي صيرناه عربياً لأنه قد كان قادراً على أن ينزله عجمياً، فلما أنزله عربياً كان قد جعله عربياً دون عجمي. وهذه المسألة في أصول أهل الإيمان والسنة التي فارقوا بها الجهمية من المعتزلة والفلاسفة ونحوهم، والكلام عليها مبسوط في غير هذا الموضع والله أعلم.