وقالوا كلام لا بحرف ولا صوت لا يعقل، ومعنى يكون أمراً ونهياً وخبراً ممتنع في صريح العقل، ومن ادعى أن معنى التوراة والإنجيل والقرآن واحد وإنما اختلفت العبارات الدالة عليه فقوله معلوم الفساد بالاضطرار عقلاً وشرعاً وإخراج الحروف عن مسمى الكلام مما يعلم فساده بالاضطرار من جميع اللغات وإن جاز أن يقال: إن الحروف والأصوات المخلوقة في غير كلام الله حقيقة أمكن حينئذ أن يكون كلم موسى بكلام مخلوق في غيره.
وقالوا لإخوانهم الأولين: إذا قلتم أن الكلام هو مجرد المعنى وقد خلق عبارة بيان (١) فإن قلتم أن تلك العبارة كلامه حقيقة بطلت حجتكم على المعتزلة فإن أعظم حجتكم عليهم قولكم أنه يمتنع أن يكون متكلماً بكلام يخلقه في غيره، كما يمتنع أن يعلم بعلم قائم بغيره، وأن يقدر بقدرة قائمة بغيره، وأن يريد بإرادة قائمة بغيره، وإن قلتم هي كلام مجازاً لزم أن يكون الكلام حقيقة في المعنى مجازاً في اللفظ، وهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من جميع اللغات.
والصنف الثالث: الذين لم يمنعوا المقدمتين ولكن استفسروهم وبينوا أن هذا لا يستلزم صحة قولكم، بل قالوا: إن قلتم أن الحرف والصوت محدث بمعنى أنه يجب مخلوقاً منه منفصلاً عنه، فهذا دليل على فساد قولكم وتناقضه، وهذا قول ممنوع، وإن قلتم بمعنى أنه لا يكون قديماً فهو مسلم لكن هذه التسمية محدثة.
وهؤلاء صنفان: صنف قالوا أن المحدث هو المخلوق المنفصل عنه فإذا قلنا: الحرف والصوت لا يكون إلا محدثاً كان بمنزلة قولنا لا يكون إلا مخلوقاً وحينئذ فيكون هذا المعتزلي أبطل قوله بقوله حيث زعم أنه يتكلم بحرف وصوت مخلوق، ثم استدل على ذلك بما يقتضي أنه يتكلم بكلام مخلوق وفيه تلبيس.
ونحن لا نقول كلم موسى بكلام قديم ولا بكلام مخلوق، بل هو سبحانه