للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" ألم غلبت الروم " أهذا كلامك أم كلام صاحبك؟ فقال: ليس بكلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله تعالى.

والناس إذ بلغوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: " إنما الأعمال بالنيات " أن الحديث الذي يسمعونه حديث النبي صلى الله عليه وسلم تكلم به بصوته وبحروفه ومعانيه، والمحدث بلغه عنه بصوت نفسه لا بصوت النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن أولى أن يكون كلام الله إذا بلغته الرسل عنه وقرأته الناس بأصواتهم.

والله تكلم بالقرآن بحروفه ومعانيه بصوت نفسه ونادى موسى بصوت نفسه، كما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف، وصوت العبد ليس هو صوت الرب ولا مثل صوته، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

وقد نص أئمة الإسلام أحمد ومن قبله من الأئمة على ما نطق به الكتاب والسنة من أن الله ينادي بصوت، وأن القرآن كلامه تكلم بحرف وصوت ليس منه شيء كلاماً لغيره، لا جبريل ولا غيره، وأن العباد يقرؤونه بأصوات أنفسهم وأفعالهم، فالصوت المسموع من العبد صوت القارئ والكلام كلام البارئ.

وكثير من الخائضين في هذه المسألة لا يميز بين صوت العبد وصوت الرب بل يجعل هذا هو هذا فينفيهما جميعاً أو يثبتهما، جميعاً، فإذا نفى الحرف والصوت نفى أن يكون القرآن العربي كلام الله، وأن يكون منادياً لعباده بصوته، وأن يكون القرآن الذي يقرأه المسلمون هو كلام الله كما نفى أن يكون صوت العبد صفة لله عز وجل، ثم جعل كلام الله المتنوع شيئاً واحداً لا فرق بين القديم والحادث، وهو مصيب في هذا الفرق دون ذاك الثاني الذي فيه نوع من الإلحاد والتعطيل، حيث جعل الكلام المتنوع شيئاً واحداً لا حقيقة له عند التحقيق.

وإذا ثبت جعل صوت الرب هو العبد أو سكت عن التمييز بينهما مع قوله أن الحروف متعاقبة في الوجود مقترنة في الذات قديمة أزلية الأعيان فجعل

<<  <  ج: ص:  >  >>