للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها ولم ينادهما قبل ذلك، وكذلك قال تعالى: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " بعد أن خلق آدم وصوره ولم يأمرهم قبل ذلك، وكذا قوله " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " فأخبر أنه قال له كن فيكون بعد أن خلقه من تراب، ومثل هذا الخبر في القرآن كثير يخبر أنه تكلم في وقت معين ونادى في وقت معين، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما خرج إلى الصفا قرأ قوله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله " وقال: " نبدأ بما بدأ الله به " فأخبر أن الله بدأ بالصفا قبل المروة.

والسلف اتفقوا على أن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود. فظن بعض الناس أن مرادهم أنه قديم العين، ثم قالت طائفة: هو معنى واحد وهو الأمر بكل مأمور والنهي عن كل منهي، والخبر بكل مخبر، إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وهذا القول مخالف للشرع والعقل.

وقالت طائفة: هو حروف وأصوات قديمة الأعيان لازمة لذات الله لم تزل لازمة لذاته، وإن الباء والسين والميم موجودة مقترنة بعضها ببعض معاً أزلاً وأبداً لم تزل ولا تزال لم يسبق منها شيء شيئاً، وهذا مخالف للشرع والعقل.

وقالت طائفة: إن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وأنه في الأزل كان متكلماً بالنداء الذي سمعه موسى، وإنما تجدد استماع موسى لا أنه ناداه حين أتى الوادي المقدس بل ناداه قبل ذلك بما لا يتناهى ولكن تلك الساعة سمع النداء. وهؤلاء وافقوا الذين قالوا أن القرآن مخلوق في أصل قولهم، فإن أصل قولهم أن الرب لا تقوم به الأمور الاختيارية فلا يقوم به كلام لا فعل باختياره ومشيئته، وقالوا هذه حوادث والرب لا تقوم به الحوادث فخالفوا صحيح المنقول وصريح المعقول واعتقدوا أنهم بهذا يردون على الفلاسفة ويثبتون حدوث العالم، وأخطأوا في ذلك، فلا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا

<<  <  ج: ص:  >  >>