سينا أقرب إلى الصواب لكنه تناقض مع ذلك حيث نفى قيام الصفات به، وجعل الصفة عين الموصوف وكل صفة هي الأخرى.
ولهذا كان هؤلاء هم أوغل في الاتحاد والإلحاد ممن يقول معاني الكلام شيء واحد، لكنهم ألزموا قولهم لأولئك، فقالوا إذا جاز أن تكون المعاني المتعددة شيئاً واحداً، جاز أن يكون العلم هو القدرة والقدرة هي الإرادة، فاعترف حذاق أولئك بأن هذا الإلزام لا جواب عنه.
ثم قالوا وإذا جاز أن تكون هذه الصفة هي الأخرى والصفة هي الموصوف جاز أن يكون الموجود الواجب القديم الخالق هو الموجود الممكن المحدث المخلوق، فقالوا: إن وجود كل مخلوق هو عين وجود الخالق، وقالوا الوجود واحد، ولم يفرقوا بين الواحد بالنوع والواحد بالعين، كما لم يفرق أولئك بين الكلام الواحد بالعين والكلام الواحد بالنوع.
وكان منتهى أمر أهل الإلحاد في الكلام إلى هذا التعطيل والكفر والاتحاد الذي قاله أهل الوحدة والحلول في الخالق والمخلوقات، كما أن الذين لم يفرقوا بين نوع الكلام وعينه وقالوا هو يتكلم بحرف وصوت قديم، قالوا أولاً أنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته ولا تسبق الباء السين، بل لما نادى موسى فقال " إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني - إلى (١) - أنا الله رب العالمين " كانت الهمزة والنون وما بينهما موجودات في الأزل بعضاً بعضها، لم تزل ولا تزال لازمة لذات الله.
ثم قال فريق منهم: إن ذلك القديم هو نفس الأصوات المسموعة من
(١) كذا في الأصل والآية الأولى من سورة طه والتي بعد إلى من سورة القصص فهي ليست غاية لما قبلها فيظهر أن في الكلام تحريفا أو سقطاً من النساخ والمراد مفهوم على كل حال