للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل عمار وسهل بن حنيف ونحوهما كانوا أفضل من الذين مع معاوية وإن كان سعد بن أبي وقاص ونحوه من القاعدين أفضل ممن كان معهما، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام؟ هذا باطل قطعاً، وإن كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة فقد جعل الله لكل شيء قدراً. والكلام يجب أن يكون بالعلم وبالقسط فمن تكلم في الدين بغير علم دخل في قوله: " ولا تقف ما ليس لك به علم " وفي قوله: " وإن تقولوا على الله ما لا تعلمون " ومن لم يتكلم بقسط وعدل خرج من قوله: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء الله " ومن قوله: " وإذا قلتم فاعدلوا " ومن قوله: " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ".

والذين تكلموا باسم البدل أفردوه بمعان منها أنهم أبدال (١) ، ومنها أنهم كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلاً، ومنها أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بالحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا أكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض، وبهذا التحريز يظهر المعنى باسم النجباء، فالغرض أن هذه الأسماء تارة تفسر بمعان باطلة بالكتاب والسنة وإجماع السلف مثل تفسير بعضهم بأن الغوث هو الذي يغيث الله به أهل الأرض من رزقهم ونصرهم، فإن هذا نظير ما تقوله النصارى في الباب وهو معدوم العين والأثر، وتشبيه بحال المنتظر الذي دخل السرداب من نحو أربعمائة وأربعين سنة، وكذلك من فسر الأربعين الأبدال بأن الناس إنما ينصرون ويرزقون بهم فذلك باطل بل النصر والرزق يحصل بأسباب من أوكدها دعاء المسلمين المؤمنين وصلاتهم وأخلاصهم ولا يتقيد ذلك لا بأربعين ولا بأقل ولا أكثر كما في الحديث المعروف أن سعد بن أبي وقاص قال: يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم أيسهم له مثل ما يسهم لضعفتهم؟ فقال: " يا سعد وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم " وقد يكون للنصر والرزق أسباب أخر فإن الكفار أيضاً والفجار ينصرون ويرزقون، وقد


(١) كذا وقد سقط منه المضاف إليه وأتذكر أنهم قالوا ابدال الأنبياء

<<  <  ج: ص:  >  >>