يجدب الله الأرض على المؤمنين ويخيفهم من عدوهم، لينيبوا إليه ويتوبوا من ذنوبهم، فيجمع لهم بين غفران الذنوب، وتفريج الكروب، وقد يملي للكفار ويرسل السماء عليهم مدراراً ويمدهم بأموال وبنين ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، إما ليأخذهم في الدنيا أخذ عزيز مقتدر وإما ليضعف عليهم العذاب في الآخرة، فليس كل إنعام كرامة ولا كل امتحان عقوبة قال الله تعالى:" فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن، كلا ".
فصل: وليس في أولياء الله المتقين بل ولا أنبياء الله ولا المرسلين من كان غائب الجسد دائماً عن أبصار الناس بل هذا من جنس قول القائل بأن علياً في السحاب وأن محمداً بن الحنفية في جبال رضوى، وأن محمد بن الحسن في سرداب سامراء، وإن الحاكم في جبل مصر، وأن الأبدال رجال الغيب في جبل لبنان، فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان نعم قد تخرق العادة في حق الشخص فيغيب تارة عن أبصار الناس إما لدفع عدو وإما لغير ذلك. وأما أنه يكون هكذا طول عمره فباطل، نعم يكون نور قلبه وهدى فؤاده وما فيه من أسرار الله وأمانته وأنواره ومعرفته غيباً عن الناس، ويكون صلاحه وولايته غيباً عن أكثر الناس، فهذا هو الواقع، وأسرار الحق بينه وبين أوليائه وأكثر الناس لا يعلمون.
فصل: وقد بينا عن بطلان اسم الغوث مطلقاً واندرج في ذلك غوث العرب والعجم ومكة والغوث السابع، وكذلك لفظ خاتم الأولياء لفظ باطل لا أصل له، وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي، وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء كابن حمويه وابن العربي وغيرهما وكل منهم يدعي إنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الوجوه إلى غير ذلك من الكفر والبهتان وكل طمعاً في رياسة خاتم الأنبياء.
وقد غلطوا فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للإدلالة الدالة على ذلك، وليس كذلك للأولياء فإن أفضل هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وخير قرونها القرن الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم، وخاتم