هذا أحد أصلي ابن عربي. وأما الأصل الآخر فقولهم أن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه. وهذا انفردوا به عن جميع مثبتة الصانع من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والمشتركين، وإنما هو حقيقة قول فرعون والقرامطة المنكرين لوجود الصانع كما سنبينه إن شاء الله.
فمن فهم هذا فهم جميع كلام ابن عربي نظمه ونثره (١) وما يدعيه من أن الحق يغتذي بالخلق، لأن وجود الأعيان معتمد بالأعيان الثابتة في العدم، ولهذا يقول بالجمع من حيث الوجود، وبالفرق من حيث الماهية والأعيان، ويزعم أن هذا هو سر القدر، لأن الماهيات لا تقبل إلا ما هو ثابت لها في العدم في أنفسها، فهي التي أحسنت وأساءت، وحمدت وذمت، والحق لم يعطها شيئاً إلا ما كانت عليه في حال العدم.
فتدبر كلامه كيف انتظم شيئين: إنكار وجود الحق، وإنكار خلقه لمخلوقاته، فهو منكر للرب الذي خلق فلا يقر برب ولا بخلق، ومنكر لرب العالمين، فلا رب ولا عالمون مربوبون، إذ ليس إلا أعيان ثابتة ووجود قائم بها، فلا الأعيان مربوبة ولا الوجود مربوب، ولا الأعيان مخلوقة ولا الوجود مخلوق. وهذا يفرق بين المظاهر والظاهر والمجلي والمتجلي، لأن المظاهر عنده هي الأعيان الثابتة في العدم، وأما الظاهر فهو وجود الخلق.
(١) هذا بمعنى قول شيخنا أن لكلام ابن عربي مفتاحا من عرفه فهم جميع كلامه فأنا أقرأ الفتوحات كما أقرأ تاريخ ابن الأثير. وقال أيضاً: إنما أبهم هؤلاء الصوفية مذهبهم بالاصطلاحات التي تشبه الالغاز تقية وهربا من تكفير الجمهور لهم