وأما صاحبه الصدر الفخر الرومي فإنه لا يقول أن الوجود زائد على الماهية، فإنه كان أدخل في النظر والكلام من شيخه، لكنه أكفر وأقل علماً وإيماناً، وأقل معرفة بالإسلام وكلام المشايخ. ولما كان مذهبهم كفراً كان كل من حذق فيه كان أكفر، فلما رأى أن التفريق بين وجود الأشياء وأعيانها لا يستقيم وعنده أن الله هو الوجود ولا بد من فرق بين هذا وهذا، فرق بين المطلق والمعين، فعنده أن الله هو الوجود المطلق الذي لا يتعين ولا يتميز، وأنه إذا تعين وتميز فهو الحق سواء تعين في مرتبة الإلهية أو غيرها. وهذا القول قد صرح فيه بالكفر أكثر من الأول، وهو حقيقة مذهب فرعون والقرامطة، وإن كان الأول أفسد من جهة تفرقته بين وجود الأشياء وثبوتها، وذلك أنه على القول لأول يمكن أن يجعل للحق وجوداً خارجاً عن أعيان الممكنات، وأنه فاض عليها فيكون فيه اعتراف بوجود الرب القائم بنفسه الغني عن خلقه، وإن كان فيه كفر من جهة أنه جعل المخلوق هو الخالق، والمربوب هو الرب، بل لم يثبت خلقاً أصلاً ومع هذا فما رأيته صرح بوجود الرب متميزاً عن الوجود القائم بأعيان الممكنات.
وأما هذا فقد صرح بأنه ما ثم سوى الوجود المطلق الساري في الموجودات المعينة. والمطلق ليس له وجود مطلق، فما في الخارج جسم مطلق بشرط الإطلاق، ولا إنسان مطلق ولا حيوان مطلق بشرط الإطلاق، بل لا يوجد إلا في شيء معين والحقائق لها ثلاث اعتبارات: اعتبار العموم، والخصوص، والإطلاق، فإذا قلنا: حيوان عام أو إنسان عام، أو جسم عام، ووجود عام، فهذا لا يكون إلا في العلم واللسان، وأما الخارج عن ذلك فما ثم شيء موجود في الخارج يعم شيئين، ولهذا كان العموم من عوارض صفات الحي فيقال: علم عام، وإرادة عامة، وغضب عام، وخبر عام، وأمر عام، ويوصف صاحب الصفة بالعموم أيضاً كما في الحديث الذي