في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعلي وهو يدعو فقال " يا علي عم، فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض " وفي الحديث أنه لما نزل قوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) عم وخص. رواه مسلم من حديث موسى بن طلحة عن أبي هريرة، وتوصف الصفة بالعموم كما في حديث التشهد " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلتم ذلك فقد أصابت كل عبد صالح لله في السماء والأرض ".
وأما إطلاق من أطلق أن العموم من عوارض الألفاظ فقط، فليس كذلك إذ معاني الألفاظ القائمة بالقلب أحق بالعموم من الألفاظ. وسائر الصفات: الإرادة والحب والبغض والغضب والرضاء يعرض لها من العموم والخصوص ما يعرض للقول، وإنما المعاني الخارجة عن الذهن هي الموجودة في الخارج، كقولهم: مطر عام وخصب عام. هذه التي تنازع الناس: هل وصفها بالعموم حقيقة أو مجاز؟ على قولين (أحدهما) مجاز لأن كل جزء من أجزاء المطر والخصب لا يقع إلا حيث يقع الآخر فليس هناك عموم، وقيل بل حقيقة لأن المطر المطلق قد عم.
وأما الخصوص فيعرض لها إذا كانت موجودة في الخارج، فإن كل شيء له ذات وعين تختص به ويمتاز بها عن غيره، أعني الحقيقة العينية الشخصية التي لا اشتراك فيها، مثل: هذا الرجل وهذه الحبة وهذا الدرهم، وما عرض لها في الخارج فإنه يعرض لها في الذهن. فإن تصور الذهنية أوسع من الحقائق الخارجية فإنها تشمل الموجود والمعدوم والممتنع والمقدرات.
وأما الإطلاق فيعرض لها إذا كانت في الذهن بلا ريب فإن العقل يتصور إنساناً مطلقاً ووجوداً مطلقاً. وأما في الخارج فهل يتصور شيء مطلق؟ هذا فيه قولان، المطلق له وجود في الخارج فإنه جزء من المعين، وقيل لا وجود له في الخارج، إذ ليس في الخارج إلا معين مقيد، والمطلق الذي يشترك فيه العدد لا يكون جزءاً من المعين الذي لا يشركه فيه.