حقيقة يتميز بها فتمييزه يمنع أن يكون مطلقاً من كل وجه، فإن المطلق من كل وجه لا تمييز له، فليس لنا موجود هو مطلق بشرط الإطلاق ولكن العدم المحض قد يقال هو مطلق بشرط الإطلاق إذ ليس هناك حقيقة تتميز ولا ذات تتحقق حتى يقال تلك الحقيقة تمنع غيرها بحدها أن تكون إياها، وأما المطلق من المعاني لا بشرط فهذا إذا قيل بوجوده في الخارج فإنما يوجد معيناً متميزاً مخصوصاً، والمعين المخصوص يدخل في المطلق لا بشرط ولا يدخل في المطلق بشرط الإطلاق، إذ المطلق لا بشرط أعم، ولا يلزم إذا كان المطلق بلا شرط موجوداً في الخارج أن يكون المطلق المشروط بالإطلاق موجوداً في الخارج لأن هذا أخص منه، فإذا قلنا: حيوان، أو إنسان، أو جسم، أو وجود مطلق، فإن عنينا به المطلق بشرط الإطلاق فلا وجود له في الخارج، وإن عنينا المطلق لا بشرط فلا يوجد إلا معيناً مخصوصاً، فليس في الخارج شيء إلا معين متميز منفصل عما سواه بحده وحقيقته.
فمن قال: إن وجود الحق هو الوجود المطلق دون المعين فحقيقة قوله أنه ليس للحق وجود أصلاً ولا ثبوت إلا نفس الأشياء المعينة المتميزة، والأشياء المعينة ليست إياه فليس شيئاً أصلاً.
وتلخيص النكتة أنه لو عني به المطلق بشرط الإطلاق فلا وجود له في الخارج فلا يكون للحق وجود أصلاً، وإن عني به المطلق بلا شرط، فإن قيل بعدم وجوده في الخارج فلا كلام، وإن قيل بوجوده فلا يوجد إلا معيناً فلا يكون للحق وجود إلى وجود الأعيان. فيلزم محذوران (أحدهما) أنه ليس للحق وجود سوى وجود المخلوقات (والثاني) التناقض وهو قوله أنه الوجود المطلق دون المعين.
فتدبر قول هذا فإنه يجعل الحق في الكائنات بمنزلة الكلي في جزئياته وبمنزلة الجنس والنوع والخاصة والفصل في سائر أعيانه الموجودة الثابتة في العدم. وصاحب هذ القول يجعل المظاهر والمراتب في المتعينات كما جعله الأول في الأعيان.