وأما التلمساني ونحوه فلا يفرق بين ماهية ووجود ولا بين مطلق ومعين، بل عنده ما ثم سوى، ولا غير بوجه من الوجه، وإنما الكائنات أجزاء منه وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وآخر البيت من البيت، فمن شعرهم:
البحر لا شك عندي في توحده ... وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور ... فالواحد الرب ساري العين في العدد
ومنه:
فما البحر إلى الموج لا شيء غيره ... وإن فرقته كثرة المتعدد
ولا ريب أن هذا القول هو أحق في الكفر والزندقة، فإن التمييز بين الوجود والماهية، وجعل المعدوم شيئاً أو التمييز في الخارج بين المطلق والمعين وجعل المطلق شيئاً وراء المعينات في الذهن قولان ضعيفان باطلان، وقد عرف من حدد النظر أن من جعل في هذه الأمور الموجودة في الخارج شيئين (أحدهما) وجودها (والثاني) ذواتها، أو جعل لها حقيقة مطلقة موجودة زائدة على عينها الموجودة فقد غلط غلطاً قوياً، واشتبه عليه ما يأخذه من العقل من المعاني المجردة المطلقة عن التعيين، ومن الماهيات المجردة عن الوجود الخارجي بما هو موجود في الخارج من ذلك، ولم يدر أن متصورات العقل ومقدراته أوسع مما هو موجود حاصل بذاته، كما يتصور المعدومات والممتنعات والمشروطات، وبقدر ما لا وجود له البتة مما يمكن أو لا يمكن، ويأخذ من المعينات صفات مطلقة فيه. فإن الموجودات ذوات متصورة فيه، لكن هذا القول أشد جهلاً وكفراً بالله تعالى، فإن صاحبه لا يفرق بين المظاهر والظاهر، ولا يجعل الكثرة والتفرقة إلا في ذهن الإنسان لما كان محجوباً عن شهود الحقيقة، فلما انكشف غطاؤه عاين أنه لم يكن غير، وإن الرائي عين المرئي والشاهد عين المشهود.