للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشهود العارفين، لكنك لم تقل هذا لوجهين (أحدهما) أنها لا تصير آيات إلا بعد أن يخلقها ويجعلها موجودة، لا في حال كونها معدومة معلومة، وأنت لم تثبت أنه خلقها ولا جعلها موجودة، ولا أنه أعطى شيئاً خلقه، بل جعلت نفسه هو هي المتجلية له.

الوجه الثاني: أنك قد صرحت بأنه تجلى لها وظهر لها، لا أنه دل بها خلقه وجعلها آيات تكون تبصرة وذكرى لكل عبد منيب. والله قد أخبر في كتابه أنه يجعل في هذه المصنوعات آيات، والآية مثل العلامة والدلالة كما قال (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. إلى قوله. لآيات لقوم يعقلون) وتارة يسميها نفسها آية كما قال تعالى (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) وهذا الذي ذكره الله في كتابه هو الحق.

فإذا قيل في نظير ذلك: تجلى بها وظهر بها كما يقال علم وعرف بها، كان المعنى صحيحاً لكن لفظ التجلي والظهور في مثل هذا الموضع غير مأثور. وفيه إيهام وإجمال. فإن الظهور والتجلي يفهم منه الظهور والتجلي للعين لا سيما لفظ المتجلي وأن استعماله في التجلي للعين هو الغالب. وهذا مذهب الاتحادية، صرح به ابن عربي وقال: فلا تقع العين إلا عليه. (١)

وإذا كان عندهم أن المرئي بالعين هو الله فهذا كفر صريح باتفاق المسلمين. بل قد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت " ولا سيما إذا قيل: ظهر فيها وتجلى، فإن اللفظ يصير مشتركاً بين أن تكون ذاته فيها أو تكون قد صارت بمنزلة المرآة التي يظهر فيها مثال المرئي، وكلاهما باطل. فإن ذات الله ليست في المخلوقات، ولا في نفس ذاته ترى المخلوقات كما يرى المرئي في المرآة، ولكن ظهورها دلالتها عليه وشهادتها له، وإنها آيات له على نفسه وصفاته سبحانه وبحمده، كما نطق بذلك كتاب الله.


(١) بياض في الأصل

<<  <  ج: ص:  >  >>