ذلك في غير هذا الموضع. لكن الصابئة الفلاسفة خير من هؤلاء فإنهم يقرون بواجب الوجود الذي صدرت عنه العقول والنفوس والأفلاك والأرض لا يجعلونها إياه وهؤلاء يجعلونا إياه. فقولهم إنما ينطبق على المعطلة مثل فرعون وحزبه الذي قال (وما رب العالمين) وقال (ما علمت لكم من إله غيري) وقال (يا هامان ابن لي صرحاً لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات) الآية، فإن فرعون يقر بوجود هذا العالم ويقول ما فوق رب ولا له خالق غيره. فهؤلاء إذا قالوا أنه عين السموات والأرض، فقد جحد وأما جحده فرعون وأقروا بما أقر به فرعون، إلا أن فرعون لم يسمه إلهاً ولم يقل هو الله. وهؤلاء قالوا هذا هو الله. فهم مقرون بالصانع لكن جعلوه هو الصنعة. فهم في الحقيقة معطلون، وفي اعتقادهم مقرون، وفرعون بالعكس كان منكراً للصانع في الظاهر وكان في الباطن مقراً به. فهو أكفرهم منهم، وهم أضل منه وأجهل. ولهذا يعظمونه جداً.
الوجه الحادي عشر: قول القائل بل هذا هو الحق الصريح المتبع، لا ما يرى المنحرف عن مناهج الإسلام ودينه، المتحير في بيداء ضلالته وجهله. فيقال: من الذي قال هذا الحق من الأولين والآخرين؟ وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره الذي هو كلام الله ووحيه وتنزيله ليس فيه شيء من هذا، ولا في حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أئمة الإسلام ومشايخه، إلا عن هؤلاء المفترين على الله الذين هم في مشايخ الدين نظير جنكسخان في أمر الحرب، فديانتهم تشبه دولته، ولعل إقراره بالصانع خير من إقرارهم، لكن بعضهم قد يوجب الإسلام فيكون خيراً من التتار في هذا الوجه.
وأما محققوهم وجمهورهم فيجوز عندهم التهود والتنصر والإسلام والإشراك، لا يحرمون شيئاً من ذلك، بل المحقق عندهم لا يحرم عليه شيء ولا يجب عليه شيء، ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء، فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من