إسراراً - إلى أن قال: وذكر عن قومه أنهم تصاموا عن دعوته، لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته، فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، وعلم أنهم إنما لم يجيبيوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه.
فيمدحون ويحمدون ما ذمه الله ولعنه ونهى عنه، ويأتون من الأفك والفرية على الله الإلحاد في أسماء الله وآياته بما تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، كقول صاحب الفصوص في فص نوح:" مما خطيئاتهم أغرقوا " فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العالم بالله وهو الحيرة (فادخلوا ناراً) في عين الماء في المحمدتين، (فإذا البحار سجرت - سجرت التنور إذا أوقدته (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً) فكان الله عين أنصارهم، فهلكوا فيه إلى الأبد، فلو أخرجتهم إلى السيف سيف الطبيعة لنزلوا عن هذه الدرجة الرفيعة وإن كان الكل لله وبالله بل هو الله (قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين) الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم، طلباً للستر لأنه دعاهم ليغفر لهم، والغفر الستر (دياراً) أحداً حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة (إنك إن تذرهم) أي تدعهم وتتركهم (يضلوا عبادك) أي يحيروهم ويخرجوهم من العبودية، إلى ما فيهم من أسرار الربوبية، فينظروا أنفسهم أرباباً، بعدما كانوا عند أنفسهم عبيداً، فهم العبيد الأرباب (ولا يلدوا) أي ما ينتجون ولا يظهرون (إلا فاجراً) أي مظهر ما ستر (كفاراً) أي ساتراً ما ظهر بعد ظهوره، فينظرون ما سترهم ثم يسترون بعد ظهوره. فيحار الناظر، ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ولا الكافر في كفره، والشخص وحد (رب اغفر لي) أي استرني واستر مراحلي، فيجعل مقامي وقدري كما جهل قدرك في قولك " وما قدروا لله حق قدره "(ولوالدي) أي من كنت تنتجه عنهما وهما العقل والطبيعة (ولمن دخل بيتي) أي قلبي (مؤمناً) مصدقاً بما يكون فيه من الأخبار الإلهية وهو ما