حدثت به أنفسها (وللمؤمنين) من العقول (والمؤمنات) من النفوس (ولا تزد الظالمين) من الظلمات أهل العنت المكتنفين داخل الحجب الظلمانية (إلا تبارا) أي هلاكاً، فلا يعرفون نفوسهم، لشهودهم وجه الحق دونهم.
وهذا كله من أقبح تبديل كلام الله وتحريفه، ولقد ذم الله أهل الكتاب في القرآن على ما هو دون هذا، فإنه ذمهم على أنهم حرفوا الكلم عن مواضعه وأنهم (يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) وهؤلاء قد حرفوا كلام الله عن مواضعه أقبح تحريف، وكتبوا كتب النفاق والإلحاد بأيديهم وزعموا أنها من عند الله، تارة يزعمون أنهم يأخذون من حيث يأخذ الملك الذي يوحي به إلى النبي، فيكون فوق النبي بدرجة، وتارة يزعمون أنهم يأخذون من حيث يأخذ الله، فيكون أحدهم في عمله بنفسه بمنزله علم الله به، لأن الأخذ من معدن واحد، وتارة يزعم أحدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه في منامه هذا النفاق العظيم، والإلحاد البليغ، وأمره أن يخرج به إلى أمته وأنه أبرزه كما حد له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، وكان جماعة من الفضلاء - حتى بعض من خاطبني فيه وانتصر له - يرى أنه كان يستحل الكذب، ويختارون أن يقال كان يتعمد الكذب، وأن ذلك هو أهون من الكفر، ثم صرحوا بأن مقالته كفر. وكان ممن يشهد عليه بتعمد الكذب غير واحد من عقلاء الناس وفضلائهم من المشايخ والعلماء.
ومعلوم أن هذا من أبلغ الكذب على الله ورسوله وأنه من أحق الناس بقوله (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) وكثير من المتنبئين الكذابين كالمختار بن أبي عبيد وأمثاله لم يبلغ كذبهم وافتراؤهم إلى هذا الحد، بل مسيلمة الكذاب لم يبلغ كذبه وافتراؤه إلى هذا الحد، وهؤلاء كلهم كان يعظم النبي صلى الله عليه وسلم ويقر له بالرسالة، لكن كان يدعي أنه رسول آخر، ولا ينكر وجود الرب