بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم فأوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم، فأخبر حذيفة بأعيانهم. ولهذا كان عمر لا يصلي إلا على من صلى عليه حذيفة، لأن الصلاة على المنافقين منهي عنها.
وقد ثبت في الصحيح عن حذيفة أنه لما ذكر الفتن وأنه أعلم الناس بها بين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصه بحديثها ولكن حدث الناس كلهم، قال " وكنا أعلمنا أحفظنا ".
ومما بين هذا أن في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفتح قد أهدر دم جماعة: منهم عبد الله بن أبي سرح، فجاء به عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فتوقف عنه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم بايعه وقال " أما كان فيكم رجل رشيد ينظر إلي وقد أمسكت عن هذا فيضرب عنقه " فقال رجل من الأنصار. يا رسول الله، هلا أومأت إلي؟ فقال " ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين " فهذا ونحوه مما يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم يستوي ظاهره وباطنه، لا يظهر للناس خلاف ما يبطنه، كما تدعيه الزنادقة من المتفلسفة والقرامطة وضلال المتنكسة ونحوهم.
السابع أنه " قال ومنا من علم فلم يقل مثل هذا، وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم والسكوت ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلا عالم بالله. وليس هذا العلم إلا الخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأولياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم. حتى إن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء. فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع ورسالته ينقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلا - إلى قوله - ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن.