ففي هذا الكلام من أنواع الإلحاد والكفر وتنقيص الأنبياء والرسل ما لا تقوله لا اليهود ولا النصارى. وما أشبهه في هذا الكلام بما ذكر في قول القائل: فخر عليهم السقف من تحتهم أن هذا لا عقل ولا قرآن. وكذلك ما ذكره هنا من أن الأنبياء والرسل تستفيد من خاتم الأولياء الذي بعدهم هو مخالف للعقل فإن المتقدم لا يستفيد من المتأخر. ومخالف للشرع، فإنه معلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الأنبياء والرسل أفضل من الأولياء الذين ليسوا أنبياء ولا رسلاً. وقد يزعم أن هذا العلم الذي هو عنده أعلى العلم وهو القول بوحدةالوجود، وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق وهو تعطيل الصانع حقيقة وجحده، وهو القول الذي يظهره فرعون فلم يكفه زعمه أن هذا حق، حتى زعم أنه أعلا العلم، ولم يكفه ذلك حتى زعم أن الرسل إنما يرونه من مشكاة خاتم الأولياء. فجعل خاتم الأولياء أعلم بالله من جميع الأنبياء والرسل، وجعلهم يرون العلم بالله من مشكاته.
ثم أخذ يبين ذلك فقال: فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع ورسالته ينقطعان والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، وذلك أنه لم يمكنهم أن يجعلوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبياً ولا رسولاً فإن هذا كفر ظاهر، فزعموا أنه إنما تنقطع نبوة التشريع ورسالته، يعني وأما نبوة التحقيق ورسالة التحقيق وهي الولاية عندهم فلم تنقطع، وهذه الولاية هي أفضل من النبوة والرسالة، ولهذا قال ابن عربي في بعض كلامه:
مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي
وقال في الفصوص في كلمة عزيرية فإذا سمعت أحداً من أهل الله تعالى يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه، أو يقول: إن الولي فوق النبي والرسول فإنه يعني بذلك في شخص واحد، وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو ولي أتم منه من حيث هو نبي ورسول، لا أن