للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرب الفرائض يوجب أن يكون الحق عين وجوده كله. وهذا فاسد من وجوه كثيرة، بل كفر صريح كما بيناه في غير هذا الموضع. وإذا كان خاتم الأولياء آخر مؤمن تقي في الدنيا فليس الرجل أفضل الأولياء ولا أكملهم بل أفضلهم وأكملهم سابقوهم الذين هم أخص بأفضل الرسل من غيرهم، فإن كلما كان الولي أعظم اختصاصاً بالرسول وآخذاً عنه وموافقة له كان أفضل، إذ الولي لا يكون ولياً لله إلا بمتابعة الرسول باطناً وظاهراً. فعلى قدر المتابعة للرسول يكون قدر الولاية لله.

والأولياء وإن كان فيهم محدث كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنه كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر " فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين من هذه الأمة عمر وأبو بكر أفضل منه، إذ هو الصديق والمحدث وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة فإنه ليس بمعصوم كما قال أبو الحسن الشاذلي: قد ضمنت لنا العصمة فيما جاء به الكتاب والسنة ولم تضمن لنا العصمة في الكشوف والإلهام. ولهذا كان عمر بن الخطاب وقافاً عند كتاب الله وكان أبو بكر الصديق يبين أشياء تخالف ما يقع له كما بين له يوم الحديبية ويوم موت النبي صلى الله عليه وسلم ويوم قتال مانعي الزكاة وغير ذلك، وكان عمر بن الخطاب يشاور الصحابة فتارة يرجع إليهم وتارة يرجعون إليه وربما قال القول وترد عليه امرأة من المسلمين قوله وتبين له الحق فيرجع إليها ويدع قوله كما قدر الصداق، وربما يرى رأياً فيذكر له حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيعمل به ويدع رأيه وكان يأخذ بعض السنة عمن هو دونه في قضايا متعددة، وكان يقول القول فيقال له: أصبت فيقول: ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأه. فإذا كان هذا إمام المحدثين، فكل ذي قلب يحدثه قلبه عن ربه إلى يوم القيامة هو دون عمر فليس فيهم معصوم بل الخطأ يجوز عليهم كلهم وإن كان طائفة تدعي أن الولي محفوظ وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة، والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا - فهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>