للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) والأعلى العالم يقول (إنما إلهكم إله واحد فله أسلموا) حيث ظهر (وبشر المخبتين الذين) خبت نار طبيعتهم فقالوا " إلهاً " ولم يقولوا " طبيعة ".

وقال أيضاً في فص الهارونية: ثم قال هارون لموسى (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) فتجعلني سبباً في تفريقهم، فإن عبادة العجل فرقت بينهم، وكان فيهم من عبده اتباعاً للسامري وتقليداً له، ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك، فخشى هارون أن ينسب ذلك التفريق إليه، فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبد إلا إياه وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه، فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء، فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن، ولذلك لما قال له هارون ما قال رجع إلى السامري فقال (فما خطبك يا سامري) يعني فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص - وساق الكلام - إلى أن قال - فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن تنفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى عليه - حكمة من الله ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة، وإن ذهبت تلك الصورة فما ذهبت إلا بعدما تلبست عند عابدها بالأولوهية، ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد، إما عبادة تأله، وإما عبادة تسخير، ولا بدل من ذلك لمن عقل، وما عبد شيء من العام إلا بعد التلبيس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه، ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات ولم يقل رفيع الدرجة فكثر الدرجات في عين واحدة فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات له كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهياً عبد فيها وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى كما قال (أفرأيت من اتخذ إلهه

<<  <  ج: ص:  >  >>