للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هواه) فهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شيء إلا به ولا يعبد هو إلا بذاته. وفيه أقول:

وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى

ألا ترى علم الله بالأشياء ما أكمله كيف تمم في حق من عبد هواء واتخذ إلهاً فقال (وأضله الله على علم) والضلالة الحيرة، وذلك أنه لما رأى هذا العبد ما عبد إلا هواه بانقياد لطاعته فيما يأمر به من عبادة من عبده من الأشخاص، حتى إن عبادة الله كانت عن هوى أيضاً فإنه لو لم يقع له في ذلك الجناب المقدس هوى وهو الإرادة بمحبة ما عبد الله ولا آثره على غيره، وكذلك كل من عبد صورة من صور العالم واتخذها إلهاً ما اتخذها إلا بالهوى، فالعابد لا يزال تحت سلطان هواه ثم رأى المعبودات تتنوع في العابدين وكل عابد أمراً ما يكفر من يعبد سواه، والذي عنده أدنى تنبيه لا يحار لاتحاد الهوى بل لا حدية الهوى كما ذكر فإنه عين واحدة في كل عابد (فأضله الله) أي حيره على علم بأن كل عابد ما عبد إلا هواه، ولا استعبده إلا هواه، سواء صادف الأمر المشروع أو لم يصادف، والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه. ولذلك سموه كلهم إله مع اسمه الخاص شجر أو حجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك هذا اسم الشخصية فيه والألوهية مرتبة تخيل العابد له أنها مرتبة معبوده وهي على الحقيقة مجلى الحق لبصر هذا العابد المعتكف على هذا المعبد في هذا المحلى المختص بحجر ولهذا قال بعض من لم يعرف مقاله جهالة (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) مع تسميتهم إياهم آلهة، كما قالوا (اجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب) فما أنكروه بل تعجبوا من ذلك فإنهم وقفوا على كثرة الصور ونسبة الألوهية لها، فجاء الرسول ودعاهم إلى إله واحد يعرف، ولا يشهد أيضاً بشهادتهم أنهم أثبتوه عندهم واعتقدوه في قولهم (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) لعلمهم بأن تلك الصور حجارة، ولذلك قامت الحجة عليهم بقوله (قل سموهم) فما يسمونهم إلا بما يعلمون أن تلك الأسماء لهم حقيقة. كحجر وخشب وكوكب

<<  <  ج: ص:  >  >>