وأمثالها، وأما العارفون على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرسول الذي آمنوا به عليهم الذي به سموا مؤمنين، فهم عباد الوقت، مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تلك الصور أعيانها وإنما عبدوا الله فيها بحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم، وجهله المنكر الذي لا علم له بما يتجلى، وستره العارف المكمل من نبي أو رسول أو وارث عنهم، فأمرهم بالانتزاح عن تلك الصور لما انتزح عنها رسول الوقت اتباعاً للرسول طمعاً في محبة الله إياهم بقوله (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فدعا إلى إله يصمد إليه ويعلم من حيث الجملة ولا يشهد ولا تدركه الأبصار، بل هو يدرك الأبصار للطفه وسريانه في أعيان الأشياء، فلا تدركه الأبصار كما أنها لا تدرك أرواحها المدبرة أشباحها، وصورها الظاهرة، فهو اللطيف الخبير، والخبرة ذوق، والذوق تجلى والتجلي في الصور، فلا بد منها ولا بد منه، فلا بد أن يعبده من رآه بهواه. إن فهمت هذا.
فتدبر حقيقة ما عليه هؤلاء فإنهم أجمعوا على كل شرك في العالم وعدلوا بالله كل مخلوق وجوزوا أن يعبد كل شيء ومع كونهم يعبدون كل شيء فيقولون ما عبدنا إلا الله، فاجتمع في قولهم أمران: كل شرك، وكل جحود وتعطيل مع ظنهم أنهم ما عبدوا إلا الله، ومعلوم أن هذا خلاف دين المرسلين كلهم وخلاف دين أهل الكتاب كلهم، والملل كلها، بل وخلاف دين المشركين أيضاً وخلاف ما فطر الله عليه عباده مما يعقلونه بقلوبهم ويجدونه في نفوسهم، وهو في غاية الفساد والتناقض والسفسطة والجحود لرب العالمين.
وذلك أنه علم بالاضطرار أن الرسل كانوا يجعلون ما عبده المشركون غير الله، ويجعلون عابده عابداً لغير الله مشركاً بالله عادلاً به جاعلاً له نداً. فإنهم دعوا الخلق إلى عبادة الله وحده لا شريك له. وهذا هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به