ظهر بعد نحو ثلثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه، وذكروا أن أصل ذلك حكاية بلغتهم عن الرشيد أنه أتى إلى ذلك المكان وجعل يعتذر إلى من فيه مما جرى بينه وبين ذرية علي، وبمثل هذه الحكاية لا يقوم شيء فالرشيد أيضاً لا علم له بذلك ولعل هذه الحكاية إن صحت عنه فقد قيل له ذلك كما قيل لغيره، وجمهور أهل المعرفة يقولون أن علياً إنما دفن في قصر الإمارة أو قريباً منه وهذا هو السنة، فإن حمل ميت من الكوفة إلى مكان بعيد ليس فيه فضيلة أمر غير مشروع فلا يظن بآل علي رضي الله عنهم أنهم فعلوا به ذلك، ولا يظن أيضاً أن ذلك خفي على أهل بيته والمسلمين ثلاثمائة سنة حتى أظهره قوم من الأعاجم الجهال ذوي الأهواء، وكذلك قبر معاوية الذي بظاهر دمشق قد قيل إنه ليس قبر معاوية وإن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال إنه قبر هود وأصل ذلك أن عامة هذه القبور مضطرب مختلف لا يكاد يوقف منه على علم إلا في قليل منها بعد بحث شديد وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه حيث قال:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يفعله المبتدعون عندها مثل قوله الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " وقال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وقد اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد التي على القبور ولا يشرع اتخاذها مساجد، ولا تشرع الصلاة عندها، ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة واعتكاف أو استغاثة وابتهال ونحو ذلك، وكرهوا الصلاة عندها، ثم كثير منهم قال: الصلاة باطلة لأجل النهي عنها، وإنما السنة إذا زار قبر مسلم ميت إما نبي أو رجل صالح أو غيرهما أن يسلم عليه ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما جمع الله بين هذين حيث يقول في المنافقين:" ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره " فكان