وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام وأهل التصوف وأهل الرأي وأهل الملك حسبوه منفعة أو مصلحة نافعاً وحقاً وصواباً ولم يكن كذلك، بل كثير من الخارجين عن الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس يحسب كثير منهم أن ما هم عليه من الاعتقادات والمعاملات والعبادات مصلحة لهم في الدين والدنيا، ومنفعة لهم، فقد (ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) وقد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً. فإذا كان الإنسان يرى حسناً ما هو سيئ كان استحسانه أو استصلاحه قد يكون من هذا الباب. وهذا بخلاف الذين جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً. فإن باب جحود الحق ومعاندته من باب جهله والعمى عنه، والكفار فيهم هذا وفيهم هذا، وكذلك في أهل الأهواء من المسلمين القسمان. فإن الناس كما أنهم في باب الفتوى والحديث يخطئون تارة ويتعمدون الكذب أخرى، فكذلك هم في أحوال الديانات، وكذلك في الأفعال قد يفعلون ما يعلمون أنه ظلم، وقد يعتقدون أنه ليس بظلم وهو ظلم، فإن الإنسان كما قال الله تعالى (وحملها الإنسان أنه كان ظلوماً جهولا) فتارة يجهل وتارة يظلم: ذلك في قوة علمه، وهذا في قوة عمله.
واعلم أن هذا الباب مشترك بين أهل العلم والقول، وبين أهل الإرادة والعمل، فذلك يقول هذا جائز أو حسن، بناء على ما رآه، وهذا يفعله من غير اعتقاد تحريمه أو اعتقاد أنه خير له كما يجد نفعاً في مثل السماع المحدث: سماع المكاء والتصدية واليراع التي يقال لها الشبابة والصفارة والأوتار وغير ذلك، وهذا يفعله لما يجده من لذته، وقد يفعله لما يجده من منفعة دينه بزيادة أحواله الدينية كما يفعل مع القرآن.
وهذا يقول جائز لما يرى من تلك المصلحة والمنفعة، وهو نظير المقالات المبتدعة. وهذا يقول هو حق لدلالة القياس العقلي عليه. وهذا يقول يجوز ويجب