للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتقادها وإدخالها في الدين إذ كانت كذلك، وكذلك سياسات ولاة الأمور من الولاة والقضاء وغير ذلك.

واعلم أنه لا يمكن العاقل أن يدفع عن نفسه أنه قد يميز بعقله بين الحق والباطل، والصدق والكذب، وبين النافع والضار، والمصلحة والمفسدة، ولا يمكن المؤمن أن يدفع عن إيمانه أن الشريعة جاءت بما هو الحق والصدق في المعتقدات، وجاءت بما هو النافع والمصلحة في الأعمال التي تدخل فيها الاعتقادات، ولهذا لم يختلف الناس أن الحسن أو القبيح إذا فسر بالنافع والضار والملائم للإنسان والمنافي له واللذيذ والأليم - فإنه قد يعلم بالعقل، هذا في الأفعال.

وكذلك إذا فسر حسنه بأنه موجود أو كمال الموجود يوصف بالحسن. ومنه قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى) وقوله (الذي أحسن كل شيء خلقه) كما نعلم أن الحي أكمل من الميت في وجوده، وأن العالم أكمل من الجاهل، وأن الصادق أكمل من الكاذب - فهذا أيضاً قد يعلم بالعقل. وإنما اختلفوا في أن العقل هل يعتبر المنفعة والمضرة. وأنه هل باب التحسين واحد في الخالق والمخلوق؟

فأما الوجهان الأولان فثابتان في أنفسهما، ومنهما ما يعلم بالعقل الأول في الحق المقصود، والثاني في الحق الموجود (الأول) متعلق بحب القلب وبغضه وإرادته وكراهته وخطابه بالأمر والنهي (الثاني) متعلق بتصديقه وتكذيبه وإثباته ونفيه وخطابه الخبري المشتمل على النفي والإثبات، والباطل بمعنى المعدوم المنتفي، والحق بإزاء ما ينبغي قصده وطلبه وعمله، وهو النافع، والباطل بإزاء ما لا ينبغي قصده ولا طلبه ولا عمله وهو غير النافع. والمنفعة تعود إلى حصول النعمة واللذة والسعادة التي هي حصول اللذة، ودفع الألم هو حصول المطلوب، وزوال المرهوب حصول النعيم وزوال العذاب، وحصول الخير وزوال الشر، ثم الموجود والنافع قد يكون ثابتاً

دائماً

<<  <  ج: ص:  >  >>