والكلابية ومن اتبعهم ينفون صفات أفعاله ويقولون: لو قامت به لكان محلاً للحوادث، والحادث إن أوجب له كمالاً فقد عدمه قبله، وهو نقص، وإن لم يوجب له كمالاً لم يجز وصفه به. وطائفة منهم ينفون صفاته الخبرية لاستلزامها التركيب المستلزم للحاجة والافتقار. وهكذا نفيهم أيضاً لمحبته لأنها مناسبة بين المحب والمحبوب، ومناسبة الرب للخلق نقص، وكذا رحمته لأن الرحمة رقة تكون في الراحم، وهي ضعف وخور في الطبيعة، وتألم على المرحوم، وهو نقص. وكذا غضبه، لأن الغضب غليان دم القلب طلباً للانتقام، وكذا نفيهم لضحكه وتعجبه لأن الضحك خفة روح يكون لتجدد ما يسر واندفاع ما يضر. والتعجب استعظام للمتعجب منه. ومنكرو النبوات يقولون: ليس الخلق بمنزلة أن يرسل إليهم رسولاً، كما أن أطراف الناس ليسوا أهلاً أن يرسل السلطان إليهم رسولاً. والمشركون يقولون: عظم الرب يقتضي أن لا يتقرب إليه إلا بواسطة وحجاب، فالتقرب إليه ابتداء من غير شفعاء ووسائط غض من جنابه الرفيع. هذا وإن القائلين بهذه المقدمة لا يقولون بمقتضاها ولا يطردونها، فلو قيل لهم: أيما أكمل؟ ذات توصف بسائر أنواع الإدراكات: من الشم والذوق واللمس أم ذات لا توصف بها كلها؟ لقالوا الأولى أكمل، ولم يصفوا بها كلها الخالق. وبالجملة فالكمال والنقص من الأمور النسبية، والمعاني الإضافية، فقد تكون الصفة كمالاً لذات ونقصاً لأخرى، وهذا نحو الأكل والشرب والنكاح. كمال للمخلوق، نقص للخالق، وكذا التعاظم والتكبر والتفاعل النفسي كمال للخالق نقص للمخلوق، وإذا كان الأمر كذلك فلعل ما تذكرونه من صفات الكمال إنما يكون كمالاً بالنسبة إلى الشاهد، ولا يلزم أن يكون كمالاً للغائب كما بين، لا سيما مع تباين الذاتين.