وقال تعالى (وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير، هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم؟) وهذا مثل آخر فالأول مثل العاجز عن الكلام، وعن الفعل الذي لا يقدر على شيء، والآخر المتكلم الآمر بالعدل الذي هو على صراط مستقيم، فهو عادل في أمره، مستقيم في فعله، فبين أن التفضيل بالكلام المتضمن للعدل والعمل المستقيم، فإن مجرد الكلام والعمل قد يكون محموداً، وقد يكون مذموماً. فالمحمود هو الذي يستحق صاحبه الحمد، فلا يستوي هذا والعاجز عن الكلام والفعل.
وقال تعالى (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكن أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) يقول تعالى: إذا كنتم أنتم لا ترضون بأن المملوك يشارك مالكه لما في ذلك من النقص والظلم، فكيف ترضون ذلك لي وأنا أحق بالكمال والغنى منكم؟ وهذا يبين أنه تعالى أحق بكل كمال من كل أحد، وهذا كقوله (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يحكمون، للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم، ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، ويجعلون لله ما يكرهون، وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون) حيث كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، وهم يكرهون أن يكون لأحدهم بنت فيعدون هذا نقصاً وعيباً، والرب تعالى أحق بتنزيهه عن كل عيب ونقص منكم، فإن له المثل الأعلى. فكل كما ثبت للمخلوق فالخالق أحق بثبوته منه إذا كان مجرداً عن النقص، وكل ما ينزه عنه المخلوق