من نقص وعيب فالخالق أولى بتنزيهه عنه. وقال تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وهذا يبين أن العالم أكمل ممن لا يعلم، وقال تعالى (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور) فبين أن البصير أكمل والنور أكمل والظل أكمل، وحينئذ فالمتصف به أولى، ولله المثل الأعلى. وقال تعالى (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار، ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا؟ اتخذوه وكانوا ظالمين) فدل ذلك على أن عدم التكلم والهداية نقص، وأن الذي يتكلم ويهدي أكمل ممن لا يتكلم ولا يهدي، والرب أحق بالكمال. وقال تعالى (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق؟ قل الله يهدي للحق. أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي؟ فما لم كيف تحكمون) فبين سبحانه بما هو مستقر في الفطر أن الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع ممن لا يهدي إلا أن يهديه غيره، فلزم أن يكون الهادي بنفسه هو الكامل دون الذي لا يهدي إلا بغيره. وإذا كان لا بد من وجوب الهادي لغير المهتدي بنفسه فهو الأكمل، وقال تعالى في الآية الأخرى (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً) فدل على أن الذي يرجع إليه القول ويملك الضر والنفع أكمل منه.
وقال إبراهيم لأبيه (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً) فدل على أن السميع البصير الغني أكمل، وأن المعبود يجب أن يكون كذلك، ومثل هذا في القرآن متعدد من وصف الأصنام بسلب صفات الكمال كعدم التكلم والفعل وعدم الحياة ونحو ذلك مما يبين أن التصف بذلك منتقص معين كسائر الجمادات، وأن هذه الصفات لا تسلب إلا عن ناقص معيب. وأما رب الخلق الذي هو أكمل من كل موجود فهو أحق الموجودات بصفات الكمال، وأنه لا يستوي المتصف بصفات الكمال والذي لا يتصف بها، وهو يذكر أن الجمادات في