للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العادة لا تقبل الاتصاف بهذه الصفات، فمن جعل الواجب الوجود لا يقبل الاتصاف (١) فقد جعله من جنس الأصنام الجامدة التي عابها الله تعالى وعاب عباديها. ولهذا كانت القرامطة الباطنية من أعظم الناس شركاً وعبادة لغير الله، إذ كانوا لا يعتقدون في إلههم أنه يسمع أو يبصر أو يغني عنهم شيئاً. والله سبحانه لم يذكر هذه النصوص لمجرد تقرير صفات الكمال له، بل ذكرها لبيان أنه المستحق للعبادة دون سواه، فأفاد الأصلين اللذين بهما يتم التوحيد وهو إثبات صفات الكمال رداً على أهل التعطيل، وبيان أنه المستحق للعبادة لا إله إلا هو رداً على المشركين، والشرك في العالم أكثر من التعطيل، ولا يلزم من إثبات التوحيد المنافي للإشراك إبطال قول أهل التعطيل، ولا يلزم من مجرد الإثبات المبطل لقول المعطلة الرد على المشركين إلا ببيان آخر. والقرآن يذكر فيه الرد على المعطلة تارة كالرد على فرعون وأمثاله، ويذكر فيه الرد على المشركين وهذا أكثر، لأن القرآن شفاء لما في الصدور، ومرض الإشراك أكثر في الناس من مرض التعطيل، وأيضاً فإن الله سبحانه أخبر أن له الحمد وأنه حميد مجيد وأن له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم ونحو ذلك من أنواع المحامد. والحمد نوعان: حمد على إحسانه إلى عباده وهو من الشكر، وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كمال، وهذا الحمد لا يكون إلا على ما هو في نفسه مستحق للحمد، وإنما يستحق ذلك ما هو متصف بصفات الكمال، وهي أمور وجودية فإن الأمور العدمية المحضة لا حمد فيها ولا خير ولا كمال. ومعلوم أن كل ما يحمد فإنما يحمد على ما له من صفات الكمال، فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد فثبت أن المستحق (٢) للمحامد الكاملة وهو أحق من كل محمود والحمد والكمال من كامل وهو المطلوب.


(١) أي بصفات الكمال المذكورة كمعطلة الصفات من الجهمية والمعتزلة دع الباطنية الملاحدة
(٢) قوله فثبت أن المستحق إلخ هو كما ترى مختل التركيب ولعل أصله: فثبت أن المستحق للمحامد كلها وهو أحق بالحمد من كل محمود وبالكمال من كل كامل، أو أن المستحق للمحامد كلها أحق بالحمد إلخ

<<  <  ج: ص:  >  >>