وأما المقدمة الثانية فتقول: لا بد من اعتبار أمرين (أحدهما) أن يكون الكمال ممكن الوجود، و (الثاني) أن يكون سليماً عن النقص، فإن النقص ممتنع على الله، لكن بعض الناس قد يسمى ما ليس بنقص نقصاً، فهذا يقال له إنما الواجب إثبات ما أمكن ثبوته من الكمال السليم عن النقص، فإذا سميت أنت هذا نقصاً وقدر أن انتفاءه يمتنع لم يكن نقصه من الكمال الممكن، والذات التي لا تكون حية عليمة قديرة سميعة بصيرة متكلمة ليست أكمل من الذات التي تكون حية عليمة سميعة بصيرة قديرة متكلمة. وإذا كان صريح العقل يقضي بأن الذات المسلوبة هذه الصفات ليست مثل الذات المتصفة بها فضلاً عن أن تكون أكمل منها، ويقضي بأن الذات المتصفة بها أكمل، علم بالضرورة امتناع كمال الذات بدون هذه الصفات. فإذا قيل بعد ذلك: لا تكون ذاته ناقصة متساوية الكمال إلا بهذه الصفات. قيل الكمال بدون هذه الصفات ممتنع، وعدم الممتنع ليس نقصاً، وإنما النقص عدم ما يمكن، وأيضاً فإذا ثبت أنه يمكن اتصافه بالكمال، وما اتصف به وجب له، امتنع تجرد ذاته عن هذه الصفات، فكان تقدير ذاته منفكة عن هذه الصفات تقديراً ممتنعاً، وإذا قدر للذات تقدير ممتنع وقيل أنها ناقصة صفة كان ذلك مما يدل على امتناع ذلك التقدير لا على امتناع نقيضه، كما لو قيل إذا مات ناقصاً فهذا يقتضي وجوب كونه حياً، كذلك إذا كان تقدير ذاته خالية عن هذه الصفات يوجب أن تكون ناقصة كان ذلك مما يستلزم أن يوصف بهذه الصفات. وأيضاً فقول القائل اكتمل بغيره ممنوع فإنا لا نطلق على صفاته أنها غيره ولا أنا ليست غيره على ما عليه أئمة السلف كالإمام أحمد بن حنبل وغيره، وهو اختيار حذاق المثبتة كابن كلاب وغيره، ومنهم من يقول: أنا أطلق عليها أنها ليست هي هو ولا أطلق عليها أنها ليست غيره، ولا أجمع بين السلبين فأقول لا هي هو ولا هي غيره، وهو اختيار طائفة من المثبتة كالأشعري وغيره، وأظن قول أبي الحسن التمتي هو هذا