ولهذا كان اتصافه بأنه يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، أكمل من اتصافه بمجرد الإعطاء والإعزاز والرفع، لأن الفعل الآخر حيث تقتضي الكلمة ذلك أكمل من لا يفعل إلا أحد النوعين ويخل بالآخر في المحل المناسب له. من اعتبر هذا الباب، وجده على قانون الصواب، والله الهادي لأولي الألباب.
فصل
وأما قول ملاحدة الفلاسفة وغيرهم: إن اتصافه بهذه الصفات إن أوجب له كمالاً فقد استكمل بغيره فيكون ناقصاً بذاته، وإن أوجب له نقصاً لم يجز اتصافه بها - فيقال: الكمال المعين هو الكمال الممكن الوجود الذي لا نقص فيه. وحينئذ فقول القائل يكون نقصاً بذاته إن أراد به أنه يكون بدون هذه الصفات ناقصاً فهذا حق، لكن من هذا فررنا وقدرنا أنه لا بد من صفات الكمال وإلا كان نقصاً. وإن أراد به أنه إنما صار كاملاً بالصفات التي اتصف بها فلا يكون كاملاً بذاته المجردة عن هذه الصفات - فيقال:(أولاً) : هذا إنما يتوجه أن لو أمكن وجود ذات مجردة عن هذه الصفات أو أمكن وجود ذات كاملة مجردة عن هذه الصفات، فإذا كان أحد هذين ممتنعاً امتنع كماله بدون هذه الصفات فكيف إذا كان كلاهما ممتنعاً، فإن وجود ذات كاملة بدون هذه الصفات ممتنع، فإنا نعلم بالضرورة أن الذات التي لا تصير علة بالفعل واحتاج مصيرها علة بالفعل إلى سبب آخر فإن كان المخرج لها من القوة إلى الفعل هو نفسه صار فيه ما هو بالقوة وهو المخرج له إلى الفعل، وذلك يستلزم أن يكون قابلاً أو فاعلاً، وهم يمنعون ذلك لامتناع الصفات التي يسمونها التركيب، وإن كان المخرج له غيره كان ذلك ممتنعاً بالضرورة والاتفاق، لأن ذلك ينافي وجوب الوجود ولأنه يتضمن الدور المعي والتسلسل في المؤثرات، وإن كان هو الذي صار فاعلاً للمعين بعد أن لم يكن امتنع أن يكون علة تامة أزلية، فقدم شيء من العالم يستلزم كونه علة تامة في الأزل وذلك يستلزم أن لا يحدث عنه شيء بواسطة وبغير واسطة وهذا مخالف للمشهود. ويقال (ثانياً) في إبطال قول من جعل حدوث الحوادث ممتنعاً: - هذا مبني على