والعصيان، ولم يرده ديناً، أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن، فهو لذلك يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يحبه ديناً ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن. وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته، ومجمعون على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وإن الكفار يبيتون ما لا يرضى من القول والذين نفوا محبته بنوها على هذا الأصل الفاسد.
فصل
وأما قول القائل: الرحمة ضعف وخور في الطبيعة وتألم على المرحوم، فهذا باطل. أما أولاً: فلأن الضعف والخوف مذموم من الآدميين، والرحمة ممدوحة وقد قال تعالى (وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) وقد نهى الله عباده عن الوهن والحزن فقال تعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) وندبهم إلى الرحمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " لا تنزع الرحمة إلا من شقي " وقال " من لا يرحم لا يرحم " وقال " الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " ومحال أن يقول لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي، ولكن لما كانت الرحمة تقارن في حق كثير من الناس الضعف والخور كما في رحمة النساء ونحو ذلك ظن الغالط أنها كذلك مطلقاً. وأيضاً فلو قدر أنها في حق المخلوقين مستلزمة لذلك لم يجب أن تكون في حق الله تعالى مستلزمة لذلك كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام فينا يستلزم من النقص والحاجة ما يجب تنزيه الله عنه. وكذلك الوجود والقيام بالنفس فينا يستلزم احتياجاً إلى خالق يجعلنا موجودين والله منزه في وجوده عما يحتاج إليه وجودنا، فنحن وصفاتنا وأفعالنا مقرونون بالحاجة إلى الغير والحاجة لنا أمر ذاتي لا يمكن أن نخلو عنه، وهو سبحانه الغني له أمر ذاتي لا يمكن أن يخلوا عنه، فهو بنفسه حي قيوم واجب الوجود، ونحن بأنفسنا محتاجون فقراء، فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا وما اتصفنا به من الكمال من