للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي ماثلة. والله سبحانه وتعالى أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. ويراد بها الموافقة في معنى من المعاني (١) وضدها المخالفة. والمناسبة بهذا الاعتبار ثابتة، فإن أولياء الله تعالى يوافقونه فيما يأمر به فيفعلونه وفيما يحبه فيحبونه، وفيما نهى عن فيتركونه، وفيما يعطيه فيصيبونه. والله وتر يحب الوتر، جميل يحب الجمال، عليم يحب العلم، نظيف يحب النظافة، محسن يحب المحسنين، مقسط يحب المقسطين، إلى غير ذلك من المعاني. بل هو سبحانه يفرح بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد لراحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد اليأس، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا براحلته كما ثبت ذلك في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أريد بالمناسبة هذا وأمثاله فهذه المناسبة حق وهي من صفات الكمال كما تقدم الإشارة إليه. فإن من يحب صفات الكمال أكمل ممن لا فرق عنده بين صفات النقص والكمال أولا يحب صفات الكمال. وإذا قدر موجودان أحدهما يحب العلم والصدق والعدل والإحسان ونحو ذلك، والآخر لا فرق عنده بين هذه الأمور وبين الجهل والكذب والظلم ونحو ذلك لا يحب هذا ولا يبغض هذا، كان الذي يحب تلك الأمور أكمل من هذا. فدل على أن من جرد عن صفات الكمال والوجود بأن لا يكون له علم كالجماد فالذي يعلم أكمل منه والعالم الذي يحب المحمود ويبغض المذموم أكمل ممن لا يحبهما وأما أن يحبهما (٢) ومعلوم أن الذي يحب المحمود ويبغض المذموم أكمل ممن يحبهما أو يبغضهما. وأصل هذه المسئلة هي الفرق بين محبة الله ورضاه وغضبه وسخطه وبين إرادته كما هو مذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم، وصار طائفة من القدرية والمثبتين للقدر إلى أنه لا فرق بينهما. ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشاء ويشاء ما لم يكن. وقالت المثبتة. ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وإذن قد أراد الكفر والفسوق


(١) من الشواهد على هذا قول الشريف الرضي في إبراهيم الصابي:
الفصل ناسب بيننا إن لم يكن ... شرقي يناسبه ولا ميلادي
(٢) لعل أصل الكلام: فهو إما أن يغضهما معاً وإما أن يحبهما إلخ

<<  <  ج: ص:  >  >>