وأما قول القائل: لو كان في ملكه ما لا يريده لكان نقصاً. وقول الآخر لو قدر وعذب لكان ظلماً، والظلم نقص - فيقال: أما المقالة الأولى فظاهره فإنه إذا قدر أنه يكون في ملكه ما لا يريده وما لا يقدر عليه وما لا يخلقه ولا يحدثه لكان نقصاً من وجوه: (أحدها) أن انفراد شيء من الأشياء عنه بالأحداث نقص لو قدر أنه في غير ملكه فكيف في ملكه؟ فإنا نعلم أنا إذا فرضنا اثنين أحدهما يحتاج إليه كل شيء ولا يحتاج إلى شيء، والآخر يحتاج إليه بعض الأشياء ويستغنى عنه بعضها كان الأول أكمل، فنفس خروج شيء عن قدرته وخلقه نقص، وهذه دلائل الوحدانية، فإن الاشتراك نقص بكل من المشتركين، وليس الكمال المطلق إلا في الوحدانية، فإنا نعلم أن من قدر بنفسه كان أكمل ممن يحتاج إلى معين، ومن فعل الجميع بنفسه فهو أكمل ممن له مشارك ومعاون على فعل البعض، ومن افتقر إليه كل شيء فهو أكمل ممن استغنى عنه بعض الأشياء. ومنها أن يقال: كونه خالقاً لكل شيء وقادراً على كل شيء أكمل من كونه خالقاً للبعض وقادراً على البعض. والقدرية لا يجعلونه خالقاً لكل شيء ولا قادراً على كل شيء. والمتفلسفة القائلون بأنه من علة غائبة شر منهم، فإنهم لا يجعلونه خالقاً لشيء من حوادث العالم لا لحركات الأفلاك ولا غيرها من المتحركات، ولا خالقاً لما يحدث بسبب ذلك ولا قادراً على شيء من ذلك ولا عالماً بتفاصيل ذلك والله سبحانه وتعالى يقول (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وإن الله قد أحاط بكل شيء علماً) وهؤلاء ينظرون في العالم ولا يعلمون أن الله على كل شيء قدير، ولا أن الله قد أحاط بكل شيء علماً. (ومنها) أنا إذا قدرنا مالكين أحدهما يريد شيئاً فلا يكون ويكون ما لا يريد، والآخر لا يريد شيئاً إلا كان ولا يكون إلا ما يريد، علمنا بالضرورة أن هذا أكمل.