وأيضاً فإن هذا لا يقال إذا كان ذلك بأمر المصاع بل إذا أذن للناس في التقرب منه ودخول داره لم يكن ذلك سوء أدب عليه ولا غضاً منه، فهذا إنكار على من تعبده بغير ما شرع. ولهذا قال تعالى (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه) وقال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) .
فصل
وأما قول القائل: أنه لو قيل لهم أيما أكمل؟ ذات توصف بسائر أنواع الإدراكات من الذوق والشم واللمس أم ذات لا توصف بها؟ لقاوا: الأول أكمل، ولم يصفوه بها.
فنقول مثبتة الصفات لهم في هذه الإدراكات ثلاثة أقوال معروفة.
أحدها إثبات هذه الإدراكات لله تعالى كما يوصف بالسمع والبصر. وهذا قول القاضي أبي بكر وأبي المعالي وأظنه قول الأشعري نفسه بل هو قول المعتزلة البصريين الذين يصفونه بالإدراكات وهؤلاء وغيرهم يقولون تتعلق به الإدراكات الخمسة أيضاً كما تتعلق به الرؤية. وقد وافقهم على ذلك القاضي أبو يعلى في المعتمد وغيره.
والقول الثاني قول من ينفي هذه الثلاثة كما ينفي ذلك كثير من المثبتة أيضاً من الصفاتية وغيرهم: وهذا قول طوائف من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وكثير من أصحاب الأشعري وغيره.
والقول الثالث إثبات إدراك اللمس دون إدراك الذوق لأن الذوق إنما يكون بالمطعوم فلا يتصف به إلا من يأكل ولا يوصف به إلا ما يؤكل والله سبحانه منزه عن الأكل، بخلاف اللمس فإنه بمنزلة الرؤية وأكثر أهل الحديث يصفونه باللمس وكذلك كثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا يصفونه بالذوق.
وذلك أن نفاة الصفات من المعتزلة قالوا للمثبتة: إذا قلتم إنه يرى فقولوا أنه يتعلق به سائر أنواع الحس وإذا قلتم إنه سميع بصير فصفوه بالإدراكات الخمسة.
فقال أهل الإثبات قاطبة: نحن نصفه بأنه يرى وأنه يسمع كلامه كما جاءت بذلك النصوص. وكذلك نصفه بأنه يسمع ويرى. وقال جمهور أهل الحديث والسنة تصفه أيضاً بإدراك اللمس لأن ذلك كمال لا نقص فيه. وقد دلت عليه