في إخباره عن نفسه بما هو من نعوت الكمال - هو أيضاً من كماله، فإن بيانه لعباده وتعريفهم ذلك هو أيضاً من كمال. وأما غيره فلو أخبر بمثل ذلك عن نفسه لكان كاذباً مفترياً، والكذب من أعظم العيوب والنقائص.
وأما إذا أخبر المخلوق عن نفسه بما هو صادق فيه فهذا لا يذم مطلقاً، بل قد يحمد منه إذا كان في ذلك مصلحة كقول النبي صلى الله عليه وسلم " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وأما إذا كان فيه مفسدة راجحة أو مساوية، فيذم لفعله ما هو مفسدة لا لكذبه، والرب تعالى لا يفعل ما هو مذموم عليه بل له الحمد على كل حال فكل ما يفعله هو منه حسن جميل محمود.
وأما قول من يقول: الظلم منه ممتنع لذاته فظاهر. وأما على قول الجمهور من أهل السنة والقدرية فإنه إنما يفعل بمقتضى الحكمة والعدل فأخباره كلها وأقواله وأفعاله كلها حسنة محمودة، واقعة على وجه الكمال الذي يستحق عليه الحمد. وله من الأمور التي يستحق بها الكبرياء والعظمة ما هو من خصائصه تبارك وتعالى فالكبرياء والعظمة له بمنزلة كونه حياً قيوماً قديماً واجباً بنفسه وأنه بكل شيء عليهم وعلى كل شيء قدير وأنه العزيز الذي لا ينال وأنه قهار لكل ما سواه فهذه كلها صفات كمال لا يستحقها إلا هو فما لا يستحقه إلا هو كيف يكون كمالاً من غيره وهو معدوم لغيره؟ فمن ادعاه كان مفترياً منازعاً للربوبية في خواصها كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله تعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته " وجملة ذلك أن الكمال المختص بالربوبية ليس لغيره فيه نصيب، فهذا تحقيق اتصافه بالكمال الذي لا نصيب لغيره فيه. ومثل هذا الكمال لا يكون لغيره فادعاؤه منازعة للربوبية وفرية على الله.
ومعلوم أن النبوة كمال للنبي وإذا ادعاه المفترون كمسيلمة وأمثاله كان ذلك نقصاً منهم لا لأن النبوة نقص ولكن دعواها ممن ليست له هو النقص، وكذلك لو ادعى العلم والقدرة والصلاح من ليس متصفاً بذلك كان مذموماً ممقوتاً، وهذا