فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه فيه وإلا فلا. وهو من حيث نبأه الله تعالى لم يصعد بعد ذلك إلى غار حراء ولا خلفاؤه الراشدون. وقد أقام صلوات الله عليه بمكة قبل الهجرة بضع عشرة سنة ودخل مكة في عمرة القضاء وعام الفتح أقام بها قريباً من عشرين ليلة وأتاها في حجة الوداع وأقام بها أربع ليال، وغار حراء قريب منه ولم يقصده، وذلك أن هذا كانوا يأتونه في الجاهلية ويقال أن عبد المطلب هو سن لهم إتيانه لأنه لم تكن لهم هذه العبادات الشرعية التي جاء بها بعد النبوة صلوات الله عليه كالصلاة والاعتكاف في المساجد، فهذه تغني عن إتيان حراء بخلاف ما كانوا عليه قبل نزول الوحي، فإنه لم يكن يقرأ بل قال له الملك عليه السلام (اقرأ) قال صلوات الله عليه وسلامه (فقلت لست بقارئ) ولا كانوا يعرفون هذه الصلاة. ولهذا لما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عنها من نهاه من المشركين كأبي جهل، قال الله تعالى (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى، أرأيت إن كان على الهدى، أو أمر بالتقوى، أرأيت إن كذب وتولى، ألم يعلم بأن الله يرى، كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة، فليدع ناديه، سندع الزبانية، كلا لا تطعه واسجد واقترب) .
وطائفة يجعلون الخلوة أربعين يوماً ويعظمون أمر الأربعينية ويحتجون فيها بأن الله تعالى واعد موسى عليه السلام ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، وقد روي أن موسى عليه السلام صامها وصام المسيح أيضاً أربعين لله تعالى وخوطب بعدها. فيقولون يحصل بعدها الخطاب والتنزل كما يقولون في غار حراء حصل بعده نزول الوحي.
وهذا أيضاً غلط فإن هذه ليست من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بل شرعت لموسى عليه السلام كما شرع له السبت والمسلمون لا يسبتون، وكما حرم في شرعه أشياء لم تحرم في شرع محمد صلى الله عليه وسلم فهذا تمسك بشرع منسوخ، وذاك تمسك بما كان قبل النبوة.
وقد جرب أن من سلك هذه العبادات البدعية أتته الشياطين وحصل له تنزل شيطاني، وخطاب شيطاني، وبعضهم يطير به شيطانه، وأعرف من هؤلاء عدداً طلبوا أن يحصل لهم من جنس ما حصل للأنبياء من التنزل فنزلت عليهم الشياطين لأنهم خرجوا عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمروا بها. قال تعالى (ثم