للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنت في أوائل عمري حضرت مع جماعة من أهل الزهد والعبادة والإرادة فكانوا من خيار أهل هذه الطبقة فبتنا بمكان وأرادوا أن يقيموا سماعاً وأن أحضر معهم فامتنعت من ذلك فجعلوا لي مكاناً منفرداً قعدت فيه فلما سمعوا وحصل الوجد والحال صار الشيخ الكبير يهتف بي في حال وجده ويقول يا فلان قد جاءك نصيب عظيم تعال خذ نصيبك، فقلت في نفسي ثم أظهرته لهم لما اجتمعنا: أنتم في حل من هذا النصيب فكل نصيب لا يأتي على طريق محمد بن عبد الله فإني لا آكل منه شيئاً. وتبين لبعض من كان فيهم ممن له معرفة وعلم أنه كان معهم الشياطين وكان فيهم من هو سكران بالخمر.

والذي قلته معناه أن هذا النصيب وهذه العطية والموهبة والحال سببها غير شرعي ليس هو طاعة لله ورسوله ولا شرعها الرسول فهو مثل من يقول تعال اشرب معنا الخمر ونحن نعطيك هذا المال، أو عظم هذا الصنم ونحن نوليك هذه الولاية ونحو ذلك.

وقد يكون سببه نذر لغير الله سبحانه وتعالى مثل أن ينذر لصنم أو كنيسة أو قبر أو نجم أو شيخ ونحو ذلك من النذور التي فيها شرك فإذا أشرك بالنذر فقد يعطيه الشيطان بعض حوائجه كما تقدم في السحر، وهذا بخلاف النذر لله تعالى فإنه ثبت في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وفي رواية " فإن النذر يلقي ابن آدم إلى القدر " فهذا المنهي عنه هو النذر الذي يجب الوفاء به منهي عن عقده، ولكن إذا كان قد عقده فعليه الوفاء به كما في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ".

وإنما نهى عنه صلى الله عليه وسلم لأنه لا فائدة فيه إلا التزام ما التزمه وقد لا يرضى به فيبقى إثماً. وإذا فعل تلك العبادات بلا نذر كان خيراً له. والناس يقصدون بالنذر تحصيل مطالبهم، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن النذر لا يأتي بخير، فليس النذر سبباً في حصول مطلوبهم، وذلك أنا الناذر إذا قال: لله علي إن حفظني الله القرآن أن أصوم مثلاً ثلاثة أيام أو إن عافاني الله من هذا المرض أو إن دفع الله هذا العدو أو إن قضى عني هذا الدين فعلت كذا فقد جعل العبادة التي التزمها عوضاً عن ذلك المطلوب

<<  <  ج: ص:  >  >>