للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحب المقسطين - إلى قوله - إنما المؤمنون أخوة) فجعلهم أخوة مع وجود الاقتتال والبغي، وقال تعالى (أفنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار؟) وقد قال تعالى (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فهذا الكلام في الأنواع.

وأما الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع (منها) المظلوم له إن يذكر ظالمه بما فيه إما على وجه دفع ظلمه واستيفاء حقه كما قالت هند: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " كما قال صلى الله عليه وسلم " لي (١) الواجد يحل عرضه وعقوبته " وقال وكيع: عرضه شكايته وعقوبته حبسه، وقال تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) وقد روى: إنها نزلت في رجل نزل بقوم فلم يقروه. فإذا كان هذا فيمن ظلم بترك قراه الذي تنازع الناس في وجوبه وإن كان الصحيح أنه واجب، فكيف بمن ظلم بمنع حقه الذي اتفق المسلمون على استحقاقه إياه؟ أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان ولا دخول في كذب ولا ظلم الغير وترك ذلك أفضل.

ومنها أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم من الحديث الصحيح عن فاطمة بنت قيس لما استشارت النبي صلى الله عليه وسلم من تنكج؟ وقالت: أنه خطبني معاوية وأبو جهم فقال " أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء " وروي " لا يضع عصاه عن عاتقه " فبين لها أن هذا فقير قد يعجز عن حقك وهذا يؤذيك بالضرب. وكان هذا نصحاً لها - وإن تضمن ذكر عيب الخاطب.

وفي معنى هذا نصح الرجل فيمن يعامله ومن يوكله ويوصي إليه ومن يستشهده، بل ومن يتحاكم إليه. وأمثال ذلك، وإذا كان هذا في مصلحة خاصة فكيف بالنصح فيما يتعلق به حقوق عموم المسلمين من الأمراء والحكام والشهود والعمال أهل الديوان وغيرها؟ فلا ريب أن النصح في ذلك أعظم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة، الدين النصيحة " قالوا لمن يا رسول الله؟ قال " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ".


(١) مماطلته بالحق الذي عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>