وقد قالوا لعمر بن الخطاب: في أهل الشورى أمر فلاناً وفلاناً، فجعل يذكر في حق كل واحد من الستة - وهم أفضل الأمة - أمراً جعله مانعاً له من تعيينه.
وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكاً والثوري والليث بن سعد - أظنه - والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ؟ فقالوا: بين أمره.
وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا، فقال: إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبل الله ودينه ومناهجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " وذلك أن الله يقول في كتابه (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) فأخبر أنه أنزل الكتاب والميزان ليقوم بالقسط، وأنه أنزل الحديد كما ذكر. فقوام الدين بالكتاب الهادي، والسيف الناصر (وكفى بربك هادياً ونصيرا) .
والكتاب هو الأصل ولهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب ومكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر وصار له أعوان على الجهاد.