للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممكناً في العقل أو ممتنعاً، فإن كان ممتنعاً في العقل لزم أن الحوادث جميعها لها أول كما يقول ذلك من يقوله من أهل الكلام، وبطل قولهم بقدم حركات الأفلاك، وإن كان محدثاً أمكن أن يكون حدوث ما أحدثه الله تعالى كالسموات والأرض موقوفاً على حوادث قبل ذلك كما تقولون أنتم فيما يحدث في هذا العالم من الحيوان والنبات والمعادن والمطر والسحاب وغير ذلك فيلزم فساد حجتكم على التقديرين.

ثم يقال: إما أن تثبتوا لمبدع العالم حكمة وغاية مطلوبة وإما لا تثبتوا، فإن لم تثبتوا بطل قولكم بإثبات العلة الغائية وبطل ما تذكرونه من حكمة الباري تعالى في خلق الحيوان وغير ذلك من المخلوقات، وأيضاً فالوجود يبطل هذا القول، فإن الحكمة الموجودة في الوجود أمر يفوق العد والإحصاء، كإحداثه سبحانه لما يحدثه من نعمته ورحمته وقت حاجة الخلق إليه، كإحداث المطر وقت الشتاء بقدر الحاجة وإحداثه للإنسان الآلات التي يحتاج إليها بقدر حاجته وأمثال ذلك مما ليس هذا موضع بسطه، وإن أثبتم له حكمة مطلوبة - وهي باصطلاحكم العلة الغائية - لزمكم أن تثبتوا له المشيئة والإرادة بالضرورة، فإن القول بأن الفاعل فعل كذا لحكمة كذا بدون كونه مريداً لتلك الحكمة المطلوب جمع بين النقيضين، وهؤلاء المتفلسفة من أكثر الناس تناقضاً ولهذا يجعلون العلم هو العالم والعلم هو الإرادة والإرادة هي القدرة وأمثال ذلك.

وأما التقدير الثالث وهو أنه فعل المفعولات وأمر بالمأمورات لحكمة محمودة فهذا قول أكثر الناس من المسلمين وغير المسلمين، وقول طوائف من أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم، وقول طوائف من أهل الكلام من المعتزلة والكرامية والمرجئة وغيرهم، وقول أكثر أهل الحديث والتصوف وأهل التفسير وأكثر قدماء الفلاسفة وكثير من متأخريهم كأبي البركات وأمثاله، لكن هؤلاء على أقوال: منهم من قال أن الحكمة المطلوبة مخلوقة منفصلة عنه أيضاً كما

<<  <  ج: ص:  >  >>