للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ذلك من يقوله من المعتزلة والشيعة ومن وافقهم، وقالوا الحكمة في ذلك إحسانه إلى الخلق، والحكمة في الأمر تعريض المكلفين للثواب، وقالوا إن فعل الإحسان إلى الغير حسن محمود في العقل. فخلق الخلق لهذه الحكمة من غير أن يعود إليه من ذلك حكم ولا قام به فعل ولا نعت، فقال لهم الناس أنتم متناقضون في هذا القول لأن الإحسان إلى الغير محمود لكونه يعود منه على فاعله حكم يحمد لأجله، أما لتكميل نفسه بذلك وإما لقصده الحمد والثواب بذلك، وإما لرقة وألم يجده في نفسه يدفع بذلك الإحسان الألم، وإما للتذاذه وسروره وفرحه بالإحسان، فإن النفس الكريمة تفرح وتسر وتلتذ بالخير الذي يحصل منها إلى غيرها، فالإحسان إلى الغير محمود لكون المحسن يعود إليه من فعله هذه الأمور حكم يحمد لأجله، أما إذا قدر أن وجود الإحسان وعدمه بالنسبة إلى الفاعل سواء لم يعلم أن مثل هذا الفعل يحسن منه بل مثل هذا يعد عبثاً في عقول العقلاء، وكل من فعل فعلاً ليس فيه لنفسه لذة ولا مصلحة ولا منفعة بوجه من الوجوه لا عاجلة ولا آجلة كان عبثاً ولم يكن محموداً على هذا، وأنتم عللتم أفعاله فراراً من العبث فوقعتم في العبث، فإن العبث هو الفعل الذي ليس فيه مصلحة ولا منفعة ولا فائدة تعود على الفاعل، ولهذا لم يأمر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من العقلاء أحداً بالإحسان إلى غيره ونفعه ونحو ذلك إلا لما له في ذلك من المنفعة والمصلحة، وإلا فأمر الفاعل بفعل لا يعود إليه منه لذة ولا سرور ولا منفعة ولا فرح بوجه من الوجوه لا في العاجل ولا في الآجل لا يستحسن من الآمر.

ونشأ من هذا الكلام نزاع بين المعتزلة وغيرهم ومن وافقهم في مسئلة التحسين والتقبيح العقلي، فأثبت ذلك المعتزلة وغيرهم ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأهل الحديث وغيرهم وحكوا ذلك عن أبي حنيفة نفسه، ونفى ذلك الأشعرية ومن وافقهم من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، واتفق الفريقان

<<  <  ج: ص:  >  >>