للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن الحسن والقبح إذا فسرا بكون الفعل نافعاً للفاعل ملائماً له وكونه ضاراً للفاعل منافراً له أنه يمكن معرفته بالعقل كما يعرف بالشرع، وظن من ظن من هؤلاء أن الحسن والقبح المعلوم بالشرع خارج عن هذا، وهذا ليس كذلك، بل جميع الأفعال التي أوجبها الله تعالى وندب إليها هي نافعة لفاعليها ومصلحة لهم، وجميع الأفعال التي نهى الله عنها هي ضارة لفاعليها ومفسدة في حقهم، والثواب المترتب على طاعة الشارع نافع للفاعل ومصلحة له، والذم والعقاب المرتب على معصيته ضار للفاعل ومفسدة له، والمعتزلة أثبتت الحسن في أفعال الله تعالى لا بمعنى حكم يعود إليه من أفعاله. ومنازعوهم لما اعتقدوا أن لا حسن ولا قبح إلا ما عاد إلى الفاعل منه حكم نفوا ذلك وقالوا القبيح في حق الله تعالى هو الممتنع لذاته، وكل ما يقدر ممكننا من الأفعال فهو حسن، إذ لا فرق بالنسبة إليه عندهم بين مفعول ومفعول، وأولئك أثبتوا حسناً وقبحاً لا يعود إلى الفاعل منه حكم يقوم بذاته، إذ عندهم لا يقوم بذاته وصف ولا فعل ولا غير ذلك وإن كانوا قد يتناقضون.

ثم أخذوا يقيسون ذلك على ما يحسن من العبد ويقبح، فجعلوا يوجبون على الله سبحانه ما يوجبون على العبد، ويحرمون عليه من جنس ما يحرمون على العبد، ويسمون ذلك العدل والحكمة مع قصور عقلهم عن معرفة حكمته، فلا يثبتون له مشيئة عامة، ولا قدرة تامة، فلا يجعلونه (على كل شيء قدير) ولا يقولون " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " ولا يقرون بأنه خالق كل شيء. ويثبتون له من الظلم ما نزه نفسه عنه سبحانه، فإنه قال (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً) أي لا يخاف أن يظلم فيحمل عليه من سيئات غيره ولا يهضم من حسناته. وقال تعالى (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث البطاقة الذي رواه الترمذي وغيره " يجاء برجل من أمتي يوم القيامة فتنشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، فيقال له: هل

<<  <  ج: ص:  >  >>