يرضى بالقول المخالف لأمر الله ورسوله، وقالوا مع أنه خالق كل شيء وربه ومليكه فقد فرق بين المخلوقات أعيانها وأفعالها كما قال تعالى (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) وكما قال (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟ ساء ما يحكمون) وقال تعالى (أم تجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض؟ أم نجعل المتقين كالفجار) وقال (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات) وأمثال ذلك مما يبين الفرق بين المخلوقات وانقسام الخلق إلى شقي وسعيد كما قال تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) وقال تعالى (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) وقال تعالى (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليما) وقال تعالى (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحيرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون) ونظائر هذا في القرآن كثير.
وينبغي أن يعلم أن هذا المقام زل فيه طوائف من أهل الكلام والتصوف وصاروا فيه إلى ما هو شر من قول المعتزلة ونحوهم من القدرية، فإن هؤلاء يعظمون الأمر والنهي والوعد والوعيد وطاعة الله ورسوله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، لكن ضلوا في القدر واعتقدوا أنهم إذا أثبتوا مشيئة عامة وقدرة شاملة وخلقاً متناولاً لكل شيء لزم من ذلك القدح أنهم إذا أثبتوا مشيئة عامة وقدرة شاملة وخلقاً متناولاً لكل شيء لزم من ذلك القدح في عدل الرب وحكمته وغلطوا في ذلك.
فقابل هؤلاء قوم من العلماء والعباد وأهل الكلام والتصوف، فأثبتوا القدر وآمنوا بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه خالق كل شيء، وهذا حسن وصواب. لكنهم قصروا في الأمر والنهي والوعد والوعيد، وأفرطوا حتى غلا بهم إلى الإلحاد فصاروا من جنس المشركين الذين قالوا (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا